20 Jun
20Jun

عمان – خلال أعوام عشرة مضت، نفذت وزارة العمل ثلاثة برامج، بهدف تشغيل الباحثين عن عمل، وبشكل يسهم في تخفيض نسب البطالة، وكان آخر هذه البرامج ما أطلق قبل شهرين.

وعلى الرغم من أنه من المبكر الحكم على مدى نجاح البرنامج الأخير، إلا أن مجموعة من الأسئلة يضعها خبراء على طاولة أصحاب القرار بخصوص مدى فاعلية مثل هذه البرامج، أولها فيما إذا تم تقييم نتائج الحملتين السابقتين ومدى نجاحهما في تحقيق الهدف منهما، خصوصا أن أرقام البطالة في ارتفاع مستمر حيث وصلت إلى رقم غير مسبوق، لامس 24 %.

ومن خلال رصد كل التفاصيل التي احتوتها البرامج الثلاثة، يتبين أن الرؤية الأساسية التي تقوم عليها تتمثل بربط الباحثين عن العمل بأصحاب العمل، عن طريق فتح منصات تستقبل طلبات من الجهتين: صاحب العمل بإعلانه عن الشواغر المتوفرة لديه، والباحث عن عمل.

وهذا يثير سؤالا مفاده: “لماذا تفترض وزارة العمل أن صاحب العمل ليست لديه وسيلة للوصول إلى الباحثين عن عمل، وانه بحاجة لتدخل الوزارة لتكون حلقة الوصل؟”، وفي الوقت نفسه: لماذا تعتبر الوزارة أن الباحثين عن عمل لا يعرفون عن هذه الفرص؟

في حين أن الفكرة الأساسية، تتمحور حول أن غالبية فرص العمل المعلن عنها هي لوظائف لا إقبال عليها، نظرا لضعف الأجور فيها، والتي لا تزيد على الحد الأدنى للأجور البالغ 260 دينارا شهريا، في حين أن طبيعة العمل وظروفه صعبة ومرهقة، وبذلك فحتى الفئة المحتاجة للعمل بشكل كبير لا تستطيع الاستمرار به فترة طويلة، كونه أولًا لا يفي باحتياجاتها المالية، وثانيًا تُحيط به شروط عمل غير لائقة.

وما يُدلل على صحة هذه الكلمات، الوظائف المعلن عنها في المصانع، ففي حين تشترط وزارة العمل أن لا تقل نسبة العاملين الأردنيين في المصانع عن 25 % للسماح لها باستقدام عمالة غير أردنية، تؤكد تجربة المصانع الموثقة في هذا المجال أن إقبال الأردنيين على العمل في المصانع شبه معدومة، وإن عملوا فإنهم يتركون العمل خلال مدد زمنية قصيرة.

وهذا الأمر تؤكده تقارير تم إرسالها من إدارات المصانع الى وزارة العمل، تفيد بأنهم يواجهون تحديا في الوصول الى النسبة التي تشترطها الوزارة، ما حدا بالأخيرة الى تخفيضها الى 20 %، ومع ذلك ما يزال هذا الأمر يشكل تحديا أمام إدارات المصانع.

في المقابل، تشير الأرقام التفصيلية الصادرة عن وزارة العمل التي اعلن عنها وزير العمل نايف استيتية قبل حوالي ثلاثة اسابيع، والتي تقول إن الوزارة استطاعت توفير 20 الف فرصة عمل، إلى ان حوالي خمسة آلاف فرصة عمل منها هي للمصانع.

وهذا يعني ان ربع الفرص المعلن عنها هي اصلا غير جاذبة للباحثين عن عمل، في حين تتوزع بقية الوظائف المعلن عنها ما بين العمل في خدمات النظافة او الخدمات العامة، وهي ايضا فرص عمل من خصائصها الاساسية عدم الاقبال عليها لقلة الأجر من جهة، وعدم توفر شروط عمل لائقة من جهة أخرى.

يشار الى ان البرنامج الوطني للتشغيل الجديد، الذي أقره مجلس الوزراء يستهدف الوصول الى تشغيل 60 ألفا تتراوح اعمارهم بين 18 الى 40 عاما، وستكون هناك أولوية لتوظيف إناث ومنتفعين من صندوق المعونة الوطنية؛ لتلبية احتياجات سوق العمل بشراكات وطيدة ومستدامة مع الجهات المعنية في قطاع التشغيل من القطاع الخاص.

وسيغطي البرنامج، المشتغل بـ130 دينارا من الراتب الشهري، وبدل تنقلات (10 دنانير)، وبدل اشتراكات ضمان اجتماعي (10 دنانير) شهريا، لـ6 أشهر، على أن يبرم عقد عمل لـ12 شهرا بين صاحب العمل والعامل.

مدير بيت العمال حمادة ابو نجمة يؤكد أنه من المهم قبل تكرار هذه التجربة، أن يكون هناك تقييم للبرامج السابقة للتأكد من مدى جدواها ونجاحها وجدية الأطراف المعنية في القطاعين العام الخاص لتنفيذها، وتحديد الاختلالات التي أعاقت تحقيق أهدافها بهدف تفادي تكرارها، لافتا إلى ان اعتماد 260 دينارا (الحد الأدنى للأجور) كأجر شهري للمستفيدين من البرنامج، يعد عائقا أمام كثير من الشباب الباحثين عن العمل للالتحاق بالبرنامج، باعتباره أجرا منخفضا.

وقال ابو نجمة: “كان الأفضل لو تم التفاوض مع كل قطاع حول مستوى الأجور لكل تخصص بدلا من أن يترك الأمر معوما هكذا، فهناك الكثير من التخصصات التي يشملها البرنامج تستحق أن يكون فيها الأجر أعلى من الحد الأدنى للأجور، وقيمتها السوقية تؤكد ذلك، وبالتالي فإن شمولها كغيرها بالشرط الموحد الذي يوجب أن لا يقل الأجر فيها عن الحد الأدنى للأجور سوف يشجع أصحاب العمل على الاكتفاء بدفع الحد الأدنى فقط، وهو أمر سيتسبب بإحباط إمكانية إقبال الباحثين عن قبول العمل فيها”.

من جانب آخر، فإن العديد من فرص العمل التي تتيحها برامج التشغيل في العادة لا يقبل الأردنيين على العمل بها، بسبب عدم جاذبيتها لهم إما لانخفاض الأجور أو لعدم توفر الحمايات القانونية فيها وشروط العمل اللائق، وبالتالي فمن غير المتوقع أن تتغير وجهة نظر الباحثين عن عمل وموقفهم من هذه الفرص إلا إذا تمت معالجة هذه الاختلالات، وبشكل خاص تحسين شروط العمل فيها وضمان الحمايات القانونية ورفع الأجور بحسب أبو نجمة.

واللافت أن الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية أوصت، في الجزء المتعلق بتوفير فرص العمل للأردنيين، بضرورة مراجعة البرامج والحملات الخاصة بالتشغيل لقياس مدى فعاليتها، بل إنها قالتها صراحة في إحدى الفقرات، إنه على ارض الواقع، وفي ظل تزايد أرقام البطالة، فهذا مؤشر على عدم فعالية هذه البرامج، ولتضع مجموعة من التوصيات في هذا الشأن أهمها الالتفات الى توفير ظروف عمل لائقة وجاذبة للباحثين عن عمل، وليس الإعلان عن فرص عمل أغلبها لا يكفي العامل احتياجاته الأساسية.

Comments
* The email will not be published on the website.