30 Jun
30Jun

أصدر "بيت العمال للدراسات" تقريرا حول السلامة والصحة في مكان العمل أشار فيه إلى أن حادثة ميناء العقبة قد كشفت عن فجوات تشريعية وتنظيمية في مجال السلامة والصحة المهنية، سواء من حيث عدم قدرة الجهات الرسمية على فرض رقابتها على معظم المؤسسات ومواقع العمل، أو من حيث قواعد وحدود مسؤوليات صاحب العمل عن توفير شروط وبيئة العمل اللائقة والآمنة في مواقع العمل والحمايات اللازمة للعمال من أخطار العمل، ومسؤوليته عن التقصير في توفيرها ومدى قدرة التشريعات والإجراءات للجهات الرسمية المعنية على ردع المخالفات المتكررة بشأن السلامة والصحة المهنية. 

وبين بأن الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تشير إلى وقوع ما معدله 14 ألف حادث عمل سنويا تتسبب في إصابات، منها حوالي 200 وفاة إصابية، بمعدل إصابة عمل كل 37 دقيقة، ووفاة واحدة كل يومين، حيث يشكل قطاع الصناعات التحويلية وقطاع تجارة الجملة والتجزئة وقطاع الإنشاءات، إضافة للقطاع الزراعي، أعلى نسبة إصابات، وتشكل الإصابات الناجمة عن سقوط الأشخاص النسبة الأعلى من إصابات العمل، يليها سقوط الأشياء، ثم الإصابات الناجمة عن أدوات العمل اليدوي، إضافة إلى الأغبرة وانبعاثات الغازات والمواد الكيماوية.

ويلفت التقرير إلى أن هذه الارقام لا تعكس الأعداد الفعلية لإصابات العمل في الأردن، والتي من المؤكد بأنها أكثر من ذلك لعدة أسباب، فالعاملون في الإقتصاد غير المنظم الذين تشير التقديرات بأنهم يشكلون ما يقرب من 48% من مجموع العاملين في المملكة هم في الغالب غير مشمولين بالضمان الإجتماعي ولا يتم التبليغ عن إصاباتهم، كما أن القطاع الزراعي الذي ما زال عاملوه غير مشمولين بالضمان يعتبر عالميا الأعلى في نسب إصابات العمل من بين مختلف قطاعات العمل الأخرى، في وقت لا تزيد نسبة المنشآت المشمولة على 31% من المنشآت العاملة، وأكثر من نصف مليون عامل غير مشمول بالضمان، يضاف إلى ذلك أن بعض المنشآت المشمولة بالضمان تعمد إلى عدم التبليغ عن الإصابات وتفضل تغطية النفقات المترتبة عليها من خلال شركات التأمين بهدف الحفاظ على ملفها نظيفا لدى الضمان الإجتماعي.

وشدد التقرير على أن معايير العمل الدولية قد رتبت على أصحاب العمل مسؤوليات اتخاذ التدابير الوقائية والحمائية في العمل دون تكبيد العاملين أي كلف عن ذلك، وتوفير المعلومات اللازمة لهم حول سبل وإجراءات التعامل مع الوباء، كما ضمنت أن يكون للعامل حق الإنسحاب من موقع العمل إذا كان تواجده فيه يشكل تهديدا حقيقيا لصحته.

 ويؤشر التقرير على نقص واضح لدى وزارة العمل في الكوادر البشرية المتخصصة بالرقابة على مدى الإلتزام بشروط السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل، الأمر الذي تسبب في أن تبقى العديد من المنشآت خارج نطاق عمليات التفتيش ولا تحظى بالمساعدة الفنية الكافية أو بالنصح والإرشاد الذي تقدمه الوزارة لأصحاب العمل والتوجيه الفني حول السبل اللازمة لتطوير أدائها في هذا الشأن وفي توفير الحمايات من الحوادث والإصابات، فالمعدل السنوي للزيارات التي يقوم بها مفتشو العمل في مجال السلامة والصحة المهنية بحدود 5 آلاف زيارة، بينما يبلغ عدد المؤسسات العاملة في المملكة حسب دائرة الإحصاءات العامة (180680) مؤسسة، الأمر الذي يتطلب دعم وزارة العمل بكوادر متخصصة ومؤهلة وبأعداد كافية، واعتماد الوسائل الحديثة للتفتيش وحوسبة أعماله وتفعيل وسائل التفتيش عن بعد وبأقل عدد من الزيارات الميدانية ووضع وتنفيذ القواعد الخاصة بالتفتيش الذاتي للمنشآت.

وعلى الصعيد التشريعي، يشير التقرير إلى أنه وبالرغم من أن قانون العمل قد أفرد فصلا خاصا لموضوع السلامة والصحة المهنية وصدر بموجبه عدد من الأنظمة والتعليمات خاصة فيما يتعلق بالاحتياطات اللازمة لحماية المؤسسة والعاملين فيها من أخطار العمل ووسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين وغير ذلك، إلا أن التشريع الأردني لا زال بحاجة إلى نصوص أكثر شمولية وتفصيلا من النواحي الفنية  تتضمن توجيهات متخصصة للوقاية من الأخطار على مستوى كل قطاع، وبصورة خاصة في القطاعات الأكثر تعرضا لحوادث العمل وهي الزراعة والإنشاءات والصناعات التحويلية، إضافة إلى أهمية المصادقة على إتفاقيات العمل الدولية الأساسية في السلامة والصحة المهنية وعلى رأسها الاتفاقية رقم 187 الخاصة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية، والإتفاقية رقم 155 الخاصة بالسلامة والصحة المهنيتين، الأمر الذي سيساهم في تطوير الأداء التشريعي والتنظيمي للأردن في هذا المجال وتحفيز الجهات والمنظمات الدولية لتقديم الدعم الفني اللازم لذلك.

ويؤكد تقرير "بيت العمال" على الأهمية الكبرى لوجود استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية لتطوير الأداء في هذا الشأن وللحد بأكبر قدر ممكن من حوادث وإصابات العمل ولضمان التنسيق الكامل بين كافة الجهات المعنية بحيث تتحمل كل منها مسؤوليات القيام بالمهام والواجبات المطلوبة منها، عملا بالمعايير الدولية بهذا الخصوص والممارسات الفضلى التي أولت موضوع التخطيط الإستراتيجي والبرامج والخطط الوطنية المرتبطة بها أولوية كبرى، خاصة وأن 4% من الناتج المحلي الإجمالي يضيع نتيجة تكاليف الإصابات والإعاقات والوفيات الناجمة عنها والعلاجات والتعويضات والتغيب عن العمل.

مبينا أنه في ظل تعدد الجهات المعنية بالسلامة والصحة المهنية، وتنوع القطاعات الإقتصادية التي تتطلب معالجات خاصة لكل منها وسياسات وبرامج متخصصة تراعي طبيعة بيئة العمل فيها والأجهزة والآليات المستخدمة وأشكال الأخطار التي قد يتعرض لها العاملين فيها للحوادث والإصابات، فما زالت جهودنا غير موحدة وما زالت الشراكة مع القطاع الخاص في أدنى مستوياتها، فغياب التنسيق بين الجهات المعنية يظهر جليا من خلال عدم وجود آليات واضحة للرصد وللتحقيق في حوادث وإصابات العمل بالتنسيق بين الجهات الرقابية والأمنية والصحية، كما أن دور النقابات العمالية والهيئات الممثلة لأصحاب العمل لازال قاصرا في بعديه الاقتصادي والاجتماعي، ولا نكاد نرى لها أي مشاركات سوى في بعض الأنشطة التدريبية.


Comments
* The email will not be published on the website.