Building an inclusive recovery in the Middle East and Central Asia

بقلم: جهاد أزعور وجويس وونغ  19 أكتوبر 2020


(الصورة: MUHAMMAD-HAMED-REUTERS-Newscom)

(الصورة: MUHAMMAD-HAMED-REUTERS-Newscom)


في سياق جائحة كوفيد-19، تواجه بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى طارئا يتعلق بالصحة العامة لم نشهد مثله من قبل في حياتنا المعاصرة، مقترنا بهبوط اقتصادي غير مسبوق. وتتسبب الجائحة في تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، مما يدعو إلى تحرك عاجل للحد من الضرر طويل الأجل الذي يهدد الدخول والنمو. 

وكما يفيد التحليل الوارد في العدد الجديد من تقريرنا عن آفاق الاقتصاد الإقليمي، فقد بادرت المنطقة باتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لإنقاذ الأرواح وتدخلت بسياسات غير مسبوقة لتخفيف الأثر الاقتصادي السلبي لسياسات احتواء الجائحة، إلا أن التحديات لا تزال كثيرة.

فلنفكر في الانخفاضات الحادة في الطلب على النفط وفي أسعاره، والتي يستند إليها توقعنا للنمو البالغ -6,6% في عام 2020 للبلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (MENAP)أو لننظر في الضرر الذي أصاب التجارة والسياحة، والذي يكاد يمحو الآثار الإيجابية لانخفاض أسعار النفط في البلدان المستوردة له في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان – مما يؤدي إلى نمو متوقع قدره -1% بالنسبة لهذه البلدان. وتتأثر بلدان القوقاز وآسيا الوسطى (CCA) أيضا، حيث يُتوقع لها تسجيل انكماش قدره -2,1% في 2020، من جراء التباطؤ الحاد في البلدان المستوردة للنفط في المنطقة.

وبينما تتصاعد التوترات الجغرافية-السياسية الحادة، تواجه بلدان المنطقة تراجعا في إيرادات المالية العامة، وزيادة في الديون، وارتفاعا في البطالة، وتزايدا في الفقر وعدم المساواة.

وبالتطلع قدما إلى عام 2021، فإن الآفاق ستظل محفوفة بالتحديات رغم استئناف النمو المتوقع في معظم البلدان.

  • فمن المرجح أن يظل الطلب الضعيف على النفط والمخزونات النفطية الكبيرة باعثين على القلق في البلدان المصدرة للنفط، كما أنه من المتوقع أن تظل أسعار النفط دون متوسطها في عام 2019 بنسبة 25% رغم اتفاقات أوبك+ التي ساعدت على استقرارها.

  • ومن بواعث القلق الأساسية خطر حدوث آثار اقتصادية مزمنة – أي خسائر طويلة الأجل في النمو والتوظيف والدخول. وعلى وجه الخصوص، نقَدِّر أنه بعد خمس سنوات من الآن يمكن أن يكون إجمالي الناتج المحلي في بلدان المنطقة أقل بنسبة 12% من المستوى الذي كان متوقعا في ضوء اتجاهات ما قبل الأزمة. والأكثر من ذلك أنه في البلدان التي تعتمد كثيرا على قطاع السياحة الذي تضرر من الأزمة، من الممكن أن ينخفض كل من إجمالي الناتج المحلي والتوظيف حسب توقعات السيناريو الأساسي بنسبة 5 نقاط مئوية هذا العام، مع بقاء الآثار لفترة قادمة تتراوح بين عامين وخمسة أعوام، وأن يرتفع الفقر بأكثر من 3,5% في عام 2020 إذا لم يتحقق تحسن في تحويلات العاملين في الخارج.

  • وستتسبب الجائحة في تفاقم التحديات الجسيمة التي تواجه الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات وقد تزيد من القلاقل الاجتماعية. ومن الممكن أن تؤدي الظروف المعيشية الصعبة للاجئين والنازحين داخليا إلى زيادة خطر تفشي جائحة كوفيد-19.

  • وفي كثير من البلدان، زاد عجز المالية العامة وارتفعت الديون بأحجام لم نشهدها طوال العقدين الماضيين (انظر الرسم البياني)، تاركة المنطقة عرضة لطفرة جديدة في الإصابة بالفيروس نظرا لأرجحية زيادة احتياجات الإنفاق وانخفاض الإيرادات الضريبية. وسيؤدي ارتفاع العجز أيضا إلى زيادة احتياجات التمويل في المنطقة بنسبة وسيطة قدرها 4,3% من إجمالي الناتج المحلي.

  • كذلك أدت الأزمة إلى ارتفاع مخاطر عجز الشركات عن السداد ومخاطر الائتمان في بنوك المنطقة، مع احتمال أن تبلغ الخسائر 190 مليار دولار أمريكي أو 5% من إجمالي الناتج المحلي. وإذا تُرك الوضع دون علاج، فإن هذه التطورات قد تهدد الاستقرار المالي وتفرض قيدا على المساعي المبذولة لزيادة الشمول المالي.


الدين العام (2000-2020)


ورغم جسامة هذه التحديات وما يشوب الفترة القادمة من ارتفاع عدم اليقين، فإننا نرى مسارا نحو المستقبل. فبينما تعمل البلدان على احتواء خسائر الجائحة، يتعين أن يولي صناع السياسات اهتماما متزايدا لتخطيط التعافي القادم وتوفير التمويل اللازم له، مع التركيز مجددا على بناء اقتصادات أكثر خضرة وصلابة وشمولا للجميع.

وفي المستقبل القريب، يظل احتواء الجائحة والحد من خسائر الدخل في صدارة الأولويات. ومع بداية انحسار الخطر الذي يهدد الصحة العامة، ينبغي أن تحول البلدان تركيزها إلى تعزيز الشمول ومعالجة مواطن الضعف عن طريق دعم النشاط الاقتصادي دون إنشاء مخاطر لا داعي لها، وذلك باتباع مناهج محسوبة بدقة. فبالنسبة للبلدان التي تمتلك حيزا ماليا في موازناتها العامة، كبعض البلدان المصدرة للنفط، يمكن أن يؤدي توسيع الحِزَم التنشيطية إلى دعم الطلب. وفي البلدان التي تمتلك حيزا ماليا أضيق، وهي تشمل معظم البلدان المستوردة للنفط، ينبغي للحكومات إعادة توزيع الإنفاق لضمان حماية الإنفاق على الصحة والتعليم والاحتياجات الاجتماعية. ومع اكتساب التعافي زخما أكبر، ينبغي أن تعيد البلدان بناء هوامش الأمان وأن تستكشف السبل الممكنة للتأكد من أن العبء الضريبي موزع بإنصاف وأن كل سنت من الإنفاق العام يحقق أفضل النتائج.

وثمة حاجة ملحة لضمان إتاحة الرعاية الصحية لكل العاملين في المنطقة، ولا سيما في البلدان المصدرة للنفط التي يعمل فيها عدد كبير من الوافدين. وينبغي أيضا للبلدان المصدرة للنفط أن تعطي أولوية لتوسيع نطاق الدعم حتى يشمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات البادئة لكي يكون الرخاء الاقتصادي شاملا للجميع في المستقبل. وكما أوضحت الأزمة الحالية، سيكون من الضروري التعجيل بتنويع الاقتصاد والاستثمار في الشباب الحاصلين على مستوى جيد من التعليم. وسيتطلب هذا تشجيع بيئة مؤسسية داعمة لنمو القطاع الخاص – بيئة تقوم على قواعد عمل واضحة وقدر أقل من الروتين الإداري والفساد، ويكون فيها القطاع العام عاملا تمكينيا.

وفي الوقت نفسه، ينبغي للبلدان المستوردة للنفط أن تعزز بصورة دائمة شبكات الأمان الاجتماعي، وتعمل على تحسين تغطيتها واستهدافها، بما في ذلك من خلال الحلول الرقمية. ومن شأن معالجة تركات الأزمة، وخاصة الدين المرتفع وهوامش الأمان المتراجعة، أن تشكل ركيزة للتعافي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحد من الاعتماد الكبير على السياحة في كثير من البلدان (مثل جورجيا والأردن ولبنان) وتحويلات العاملين في الخارج (مثل جمهورية قيرغيزستان، وطاجيكستان، ومصر، وباكستان) أن يساعد على تعزيز الصلابة أمام الصدمات الاقتصادية في المستقبل.

وأخيرا، فإن التهديد الذي يمثله تغير المناخ لا يزال تحديا وجوديا في وقتنا الراهن، وينطوي على كثير من الانعكاسات الجسيمة بالنسبة للمنطقة، وخاصة البلدان المصدرة للنفط التي ستواجه اقتصاداتها لحظة تحول قادمة. وستتمكن المنطقة بفضل الاستثمارات في البنية التحتية الخضراء والابتكار، إلى جانب الزيادة المطردة في أسعار الكربون، ليس فقط من أداء دورها في تخفيض الانبعاثات العالمية، بل أيضا من خلق الوظائف والنمو لعصر جديد.

وإذ نواجه الطريق الصعب والمحفوف بعدم اليقين في الفترة القادمة، سيكون التعاون متعدد الأطراف أهم من أي وقت مضى. فبالعمل معا، يستطيع صناع السياسات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية والمواطنون بناء مستقبل أفضل.

ونحن في صندوق النقد الدولي نقف إلى جانب بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وهي تواصل إنقاذ الأرواح وتبدأ التعافي. وبالإضافة إلى تقديم المشورة بشأن السياسات* والمساعدة الفنية، قدمنا تمويلا جديدا بقيمة 17 مليار دولار أمريكي منذ بداية العام، منه 6 مليارات في شكل دعم طارئ لعشرة بلدان تنتمي لمنطقتي "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان" و"القوقاز وآسيا الوسطى". ونتيجة لذلك، زادت قروض الصندوق القائمة للمنطقة بنسبة 50% تقريبا. وسنواصل تقديم دعمنا للبلدان في هذه الفترة العصيبة.

ولا شك أننا سننظر لاحقا إلى عام 2020 باعتباره عاما من المعاناة للكثيرين. ولكن دعونا نتذكره أيضا بوصفه الوقت الذي أخذت فيه منطقتنا العهد على نفسها مجددا ببناء مستقبل أقوى وأكثر خضرة وشمولا للجميع.


جهاد أزعور هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، حيث يشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.

وقد شغل الدكتور أزعور منصب وزير المال اللبناني من عام 2005 وحتى 2008، وهي الفترة التي قام خلالها بتنسيق تنفيذ مبادرات مهمة للإصلاح، منها تحديث النظم الضريبية والجمركية اللبنانية. وفي الفترة السابقة على عمله وزيرا للمال ثم الفترة اللاحقة لها، تولى عدة مناصب في القطاع الخاص، منها عمله في شركة ماكينزي وبوز آند كومباني حيث كان نائبا للرئيس والمستشار التنفيذي الأول. وقبل انضمامه إلى الصندوق في مارس/آذار 2017، كان مديرا شريكا في شركة إنفنتيس بارتنرز للاستشارات والاستثمار.

ويحمل الدكتور أزعور درجة الدكتوراه في العلوم المالية الدولية ودرجة علمية عليا في الاقتصاد الدولي والعلوم المالية، وكلتاهما من معهد الدراسات السياسية في باريس. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قام بأبحاث حول الاقتصادات الصاعدة واندماجها في الاقتصاد العالمي حين كان زميلا لما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد. وللدكتور أزعور عدة كتب ومقالات منشورة حول القضايا الاقتصادية والمالية كما أن لديه خبرة طويلة في التدريس.

جويس وونغ تشغل منصب اقتصادي أول في قسم التحليلات والاستراتيجيات الإقليمية التابع لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق. وسبق لها العمل في إدارة نصف الكرة الغربي كاقتصادية مختصة بالأرجنتين وجامايكا وبلدان مختلفة في أمريكا الوسطى. والسيدة وونغ حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة نيويورك، وتشمل اهتماماتها البحثية قضايا عدم المساواة والعمل وقرارات دورة الحياة على مستوى الأُسَر.