بعد إقرارها بمجلس النواب.. لماذا أثارت قوانين حبس المدين الجدل في الأردن
بعد إقرارها بمجلس النواب.. لماذا أثارت قوانين حبس المدين الجدل في الأردن
01 May
01May
يعيش المجتمع الأردني حالة الجدل بسبب التعديلات التي يناقشها مجلس النواب بشأن الحالات التي يقتضي فيها حبس المدين، مع توجهات بتقليص هذه الحالات وشطب بعضها بشكل نهائي.
ووافق مجلس النواب على مشروع القانون المعدل لقانون التنفيذ الذي سيبدأ العمل به بعد 30 يوما من صدوره في الجريدة الرسمية، والذي تم بموجبه تشريع عدم جواز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود الإيجار والعمل، شريطة أن يسري هذا الحكم بعد مرور 3 سنوات من تاريخ نفاذ أحكام القانون، وفقا لصحيفة الغد.
وبحسب صحف أردنية محلية، يتخوف البعض من التعاملات القانونية بين الدائن وضمان حقوقه والتساهل مع المدين وعدم اللجوء إلى السجن في حال عدم تسديد قيمة الشيكات البنكية في وقتها.
قوانين حبس المدين
وأقر مجلس النواب عدم حبس المدين إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المحكوم به عن 5 آلاف دينار شريطة ألا يكون بدل إيجار أو حقوقا عمالية. كما أقر عدم حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالالتزام بتعاقده باستثناء عقود الإيجار وعقود العمل، وفقا لقناة المملكة.
ووافق المجلس على تعديل الحد الأدنى من التسوية التي تحول دون حبس المدين لتكون النسبة بقيمة 15% من قيمة الدين المطالب فيه بدلا من 25%. كما وافق على تخفيض مدة الحبس للمدين لتصبح 60 يوما بدلا من 90 يوما في السنة الواحدة عن دين واحد.
ووافق النواب على أن لا تتجاوز مدة حبس المدين في السنة الواحدة إذا تعددت الديون 120 يوما.
وتضمنت التعديلات مسألة الكفالة، حيث كان يطلب في السابق كفالة عدلية أو مالية في قرار استئناف الحبس الصادر من دائرة التنفيذ، وبموجب التعديلات الجديدة فإن قرار استئناف الحبس لا يحتاج إلى كفالة، حيث أصبحت الكفالة فقط لوقف قرار الحبس.
وتضمّن مشروع القانون أيضا، الحالات التي لا يجوز فيها حبس المدين بالمطلق، ومن أهمّها: حالة إذا قلّ المبلغ المحكوم به عن 5 آلاف دينار.
ومن ضمن هذه الحالات أيضاً المدين المحجور عليه للسفه والغفلة، والمدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس، والمدين المعسر وفقاً لأحكام قانون الإعسار، والمدين المحجور عليه وفقاً لأحكام القانون المدني والزوجين معاً أو إذا كان زوج المدين متوفى أو نزيل أحد مراكز الإصلاح والتأهيل إذا كان لهما ابن يقل عمره عن 15 سنة أو من ذوي الإعاقة، إضافة إلى المدين المريض بمرض لا يرجى شفاؤه ولا يتحمل معه الحبس، وذلك استناداً إلى تقرير لجنة طبية رسمية.
كما لا يجوز حبس المدين إذا كان المحكوم به دينا بين الأزواج أو الأصول أو الفروع أو الأخوة ما لم يكن الدين نفقة محكوماً بها، أو إذا كان الدين موثقاً بتأمين عيني.
ولا يجوز حبس المدين أيضاً إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المبلغ المحكوم به عن 5 آلاف دينار، أو إذا ثبت وجود أموال للمدين كافية لأداء الدين وقابلة للحجز عليها، ولا يحول عدم حبس المدين وفقاً لأحكام هذه المادة دون اتخاذ أي من التدابير الاحتياطية بما فيها منع المحكوم عليه من السفر.
أزمة قانونية وحقوقية
اعتبر حمادة أبونجمة، خبر القانون الدولي، ورئيس بيت العمال الأردني، أن موضوع حبس المدين يتعلق بحق أساسي من حقوق الإنسان، ومن غير الجائز إيقاع هذه العقوبة الماسة بالحرية إلا إذا كان الفعل معتبرا جرما بحكم القوانين السائدة، ويعارض بعض المختصين مبدأ حبس المدين على أساس أن العلاقة بين الدائن والمدين علاقة مالية ترتبط بذمة كل منهما؛ فالمدين يضمن الدين بأمواله وليس بشخصه وهذا ما يؤكد عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي صادق عليه الأردن والذي أكد على عدم جواز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي؛ وأن يكتفى بضمان أمواله للوفاء بالتزاماته وديونه.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، على الرغم من ذلك فقد سمح قانون التنفيذ الأردني بحبس المدين عن كل دين مترتب عليه لمدة تسعين يوما، وفي الواقع العملي فمن الممكن أن يتكرر حبس نفس الشخص عن دين واحد أو عدة ديون عدة مرات فيما إذا لم يتمكن من سداد الدين حتى ولو كان غير قادر ماديا على السداد، على الرغم من أن الهدف من الحبس إجبار المدين المتهرب الذي يخفي أمواله على إظهارها.
وأكد أن هذا الأمر أدى إلى دخول أعداد كبيرة من المدينين غير القادرين على السداد السجون دون طائل وقيد حريتهم وحد من إمكانية حصولهم على دخل يتمكنون من تسديد ديونهم وتسبب في تراكمها نتيجة الأعباء التي ترتبت على انقطاعهم عن أعمالهم، وهذا ما ينافي العدالة والمنطق ويتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
وتابع: "في نفس الوقت فإن عدم وجود بدائل للدائن تمكنه من تحصيل حقوقه يدفع باتجاه رفض آخرين لفكرة إلغاء الحبس نظرا لما سيمثله ذلك من ضياع حقوق الدائنين وتمكين المدينين المليئين من التهرب من الدفع دون أن يردعهم إجراء أو قانون، ويعتقدون بأنه بدون التهديد بحبس المدين لن تكون هناك طريقة لاسترداد القروض، رغم أن الدراسات تشير إلى أن حبس المدين هو أحد أقل الطرق فعالية لاسترداد الديون، لا سيما من الأفراد المعوزين، خاصة في ظل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها شرائح واسعة من المدينين والتي تؤدي إلى استدانتهم لضمان حد أدنى من العيش الكريم لهم ولأسرهم، وفي ظل غياب حلول فعالة لمشاكلهم وحمايات اجتماعية حقيقية تسد عوزهم.
وعن المطلوب، يرى أبونجمة أنه من المفترض أن يتم إلغاء المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني، التي تسمح بحبس المدين، وإصدار تشريع يسمح للأفراد بتقديم إقرار بالإعسار الشخصي عندما لا يتمكنون من سداد الديون بما يتماشى مع المعايير الدولية، كما يجب العمل على أن تتولى الجهات القضائية المعنية بمطالبات الديون تقييم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمدينين وقدرتهم على السداد، والعمل مع طرفي الدين لوضع خطة سداد تستند إلى القدرة المالية للمدين، وهو أمر رغم أن القانون يسمح به إلا أن القضاء لا يعمل به ولا يفعله.
واستطرد: "ومن الحلول الممكنة أيضا أن تتولى الهيئات التي تمول مؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة أن تضمن ألا تسعى هذه المؤسسات إلى سجن الأشخاص الذين يعجزون عن سداد دفعاتهم، وكذلك أن تضمن القدرة على المتابعة مع المقترضين لضمان خطط السداد التي تعكس قدرة الفرد على الدفع".
تقليل الشيكات
في السياق، قال الدكتور نضال الطعاني، المحلل السياسي وعضو مجلس النواب الأردني السابق، إنه في ظل وجود شيكات مرتجعة في البنوك الأردنية بأكثر من مليار دينار، وفي ظل جائحة فيروس كورونا وارتدادها الاقتصادي، جاء هذا القانون الجدلي الذي شكل صدمة كبيرة لدى فئة كبيرة ممن يتعاملون بنظام الشيكات البنكية، كتعامل تجاري غير حقيقي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، اتجهت الدولة الأردنية إلى إلغاء الحبس في التعامل بالشيكات البنكية، مع الاحتفاظ بحق الدائن، وأقر مجلس النواب جملة من القوانين وأهمها قانون عدم حبس المدين مدة الـ 3 سنوات من بداية تطبيق هذا القانون ليكون حافزًا لعدم التعامل بواسطة الشيكات، وعدم التهديد بالحبس.
ويرى الطعاني أن هذا التوجه يشكل جوا تجاريًا جديدا بعيد كل البعد عن التعامل بالشيكات الوهمية والتهديد بالحبس ويشكل جيلا جديدا من التجارة البينية الواقعية المعتمدة على رأس المال الحقيقي والواقعي في ظل التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا.
يشار إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، والذي صادق عليه الأردن ونشر بالجريدة الرسمية عام 2006 نص على: "عدم سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"، غير أن الاتفاقية الدولية، لم تُعرض حتى الآن على مجلس الأمة، لاستيفاء إجراءات نفاذها، بالموافقة عليها وفق أحكام الدستور.