عمان– بماذا يختلف البرنامج الوطني للتشغيل الذي تنوي وزارة العمل إطلاقه الأسبوع المقبل، عن برامج سابقة حملت تسميات متشابهة، فيما أثبتت التجربة في هذه المضمار عدم جدواها، وفق خبراء في شؤون البطالة؟.
اسئلة طرحتها “الغد” على الوزارة، ممثلة بوزيرها وموظفين مختصين، تستفسر عن البرنامج مثل: هل اتفق مع القطاع الخاص على قيمة الأجر، بخاصة وان احد اسباب البطالة، يكمن بتدني الحد الادنى للاجور، ولذلك يرفض المتعطلون العمل أو يتركونه؟ وفي اي القطاعات ستوفر الوظائف؟ وما هي آلية التقديم لها؟ وبالنسبة لمنتفعي صندوق المعونة، هل ستتوقف المعونة عنهم في حال عملهم؟”
هذه الاسئلة، جرى الرد عليها عبر إرسال تصريحات سابقة منشورة على لسان وزير العمل نايف استيتية، تشير الى أن البرنامج الوطني للتشغيل الذي سيطلق الاسبوع المقبل، أقره مجلس الوزراء ضمن أولويات عمل الحكومة (2021-2023)، لتحفيز القطاع الخاص لتشغيل وتمكين الشباب، وتسهيل وصولهم إلى فرص عمل لائقة، تلبي طموحاتهم.
وأوضح استيتية، أن البرنامج يستهدف الوصول لتشغيل 60 ألف متعطل، تتراوح اعمارهم بين 18 الى 40 عاما، وستكون هناك أولوية لتوظيف إناث ومنتفعين من صندوق المعونة، بحيث يلبي احتياجات سوق العمل، بشراكات وطيدة ومستدامة مع الجهات المعنية بقطاع التشغيل من القطاع الخاص.
وأشار إلى أن البرنامج سيغطي المشتغل بـ130 دينارا من الراتب الشهري وبدل تنقلات (10 دنانير) وبدل اشتراكات ضمان اجتماعي (10 دنانير) شهريا، لـ6 أشهر، على أن يبرم عقد عمل لـ12 شهرا بين صاحب العمل والعامل.
مدير بيت العمال حمادة أبو نجمة، أكد أنه برنامج مهم للحد من تفاقم البطالة، “لكنه لن يسهم بتخفيض معدلاتها بصورة ملموسة، وقد يسهم بتخفيف احتمالات اتساع رقعتها، لكن ربما تتفاقم معدلاتها أكثر مما هي عليه حاليا، وهذا ليس حلاً للمشكلة في ظل الحجم الكبير للداخلين الجدد إلى السوق كباحثين عن عمل، بحيث يقاربون الـ110 آلاف سنويا، في وقت بلغ فيه عدد المتعطلين أكثر من 400 ألف، وما يزال السوق غير قادر على استحداث فرص جديدة، لما يعانيه القطاع الخاص من صعوبات، ولتعثر سياسات تشجيع الاستثمار”.
وقال ابو نجمة “نحن لا نعرف حتى الآن ما هو مصير البرامج المماثلة التي أعلنت عنها الحكومة سابقا، وفيما إذا كانت حققت أهدافها ونجحت بتشغيل الأعداد التي أعلن عنها، ومن المهم قبل تكرار التجربة، أن يكون هناك تقييم للبرامج السابقة، للتأكد من نجاحها وجدية الأطراف المعنية في القطاعين العام الخاص بتنفيذها، وتحديد الاختلالات التي أعاقت تحقيق أهدافها لتفادي تكرارها”.
ورأى ان اعتماد راتب الـ260 دينارا (الحد الأدنى للأجور) كأجر شهري للمستفيدين من البرنامج، قد يكون عائقا أمام كثير من الباحثين عن عمل للالتحاق به، باعتباره منخفضا، ولا يجوز فرضه على مختلف تخصصات البرنامج التي يمكن أن تكون بطبيعتها، تفرض أجورا أعلى للعاملين المستجدين فيها في السوق، وهو أمر قد يتسبب بإحباط فرص عمل يولدها السوق خارج البرنامج.
وبين أن عدد المتعطلين عن العمل، أكثر من 404 آلاف (بمعدل بطالة بلغ 23.2 %) يعيلون نحو مليوني مواطن. عليه، فنحن بحاجة لاستحداث نحو 250 ألف فرصة جديدة – على الأقل، لنصل بالبطالة إلى ما كانت عليه عام 2014، حين بلغ معدلها 11.5 %، وهو المعدل الأخفض خلال الـ20 عاما الماضية، وهو يعادل المتوسط العربي الحالي للبطالة، ولتحقيق ذلك، لا بديل عن جذب استثمارات جديدة، وإنشاء مؤسسات ومصانع ومشاريع، توفر هذه الأعداد من فرص العمل.
وشرح أن عدد العاملين في القطاعين العام والخاص، يبلغ مليونا و330 ألفا، وعدد القادمين الجدد سنويا إلى سوق العمل كباحثين عن عمل 110 آلاف شاب وشابة، لا يستوعب سوق العمل منهم سوى 35 ألفا.
واضاف “إذا أردنا الوصول إلى مستوى مقبول نسبيا من البطالة، فيجب الوصول لسوق عمل يشغل مليونا و650 ألفا، وهذا صعب التحقيق دون خطة طوارئ وطنية، تشارك فيها مختلف الجهات الرسمية وممثلو القطاع الخاص، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، ومعالجة الاختلالات في سياسات التعليم الجامعي، بحيث تراعي متطلبات السوق واحتياجاته من الكفاءات، وتطوير برامج التدريب المهني لتواكب التطورات الحديثة في سياسات وبرامج التدريب”.
ولضمان نجاح هذه البرامج، يؤكد ابو نجمة وجوب تصميمها لأعمال ومهن مطلوبة فعليا، تضمن توفير فرص عمل بعد إنهاء التدريب، تتوافق والمتطلبات الفنية لأصحاب العمل، وهذا لن يتحقق إلا بمشاركة حقيقية منهم بوضع البرامج وتنفيذها، وبغير ذلك، ستكون مخرجاتها غير مقبولة لديهم، ولا تحقق احتياجاتهم كما حصل في برامج سابقة.
ولفت الى أنه من المهم، معالجة الضعف الكبير في شروط العمل اللائق بعدة قطاعات، تستهدفها هذه البرامج، ما يسهم بإجهاضها، ويؤدي لعدم قدرتها على استقطاب الباحثين عن العمل، وبشكل خاص، لضعف الأجور وعدم ملاءمة ظروف العمل فيها المتعلقة بحماية العمال وحقوقهم.
مديرة جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الانسان لندا كلش، تؤكد ان البرنامج شبيه بالاستراتيجية الوطنية للتشغيل “والتي باءت بالفشل منذ سنوات قليلة”، مؤكدة أن البطاله تتمثل بعدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات السوق، وتخليق فرص عمل مسؤولية الحكومة، إذ يجب إيجادها لسد فجوة البطالة المتفشية، بعمل مشاريع تنموية كبيرة وتوفير مواصلات بأسعار معقولة وتحفظ الكرامة، وجذب الاستثمار بتخفيض كلف الانتاج كالطاقة وغيرها، واستقرار التشريعات.
وقالت كلش “أما هذه الحلول المؤقتة، فيصعب أن تؤتي أكلها، وان يكون فيها استمرار في عمل المعينين، وبعد انتهاء البرنامج ان لم يكن قبله، سيفقد المعينون وظائفهم بعد انتهاء المحفزات، وبالتالي فكل هذا حلول مؤقتة، لن تساعد بحل مشكلة البطالة، والغريب؛ اعادة تجربة فشلت، وبالتالي اهدار مال في خطط جربت سابقا ولم تنجح، والأجدى تنفيذ مشاريع تنموية يستفاد منها وطنيا، وتشغل عددا كبيرا من المتعطلين”.