بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين أصدر "بيت العمال للدراسات" تقريره السنوي حول أوضاع العمال المهاجرين في الأردن، بين فيه بأن العمالة المهاجرة كانت من أكثر الفئات التي تضررت نتيجة جائحة كورونا، حيث توقفت أعمالها، في وقت استثنتها أوامر الدفاع وبلاغاتها من معظم الحمايات، ولم تحصل على أي دعم من الحكومة أو من صناديق الحماية الإجتماعية عن الأضرار التي أصابتها، ولم يكن من الممكن لها مغادرة البلاد لفترة طويلة، وتعرض العديد من العاملين للإستغناء عن خدماتهم، وبقوا داخل البلاد دون عمل أو اضطروا للسفر دون الحصول على حقوقهم، وفضلوا المغادرة على البقاء دون عمل ودون أجور نتيجة الجائحة وأوامر الدفاع التي لم تستهدف في أي من برامجها دعم هذه العمالة عن الضرر الذي لحق بها.
وأشار التقرير بأن هناك أسباب متعددة تقف خلف ارتفاع نسبة استخدام العمالة المهاجرة في الأردن واعتماد الشركات عليها في العديد من الأعمال منذ مطلع الثمانينات إلى يومنا هذا، من أهمها عدم التوافق في المهارات بين ما يتطلبه سوق العمل وبين ما يمتلكه العمال الأردنيون، وما تتسم فيه العديد من الأعمال التي تستخدم فيها العمالة المهاجرة من غياب شروط العمل اللائق وانخفاض الأجور، وما تتطلبه من مجهود بدني عال في ظل ظروف عمل صعبة. وأوضح بأن الأردن يتأثر بالوضع العام في المنطقة العربية التي تستضيف ما يزيد على (38 مليون) مهاجر ولاجئ، لأسباب تتعلق بالصراعات الإقليمية والدولية، ولتلبية احتياجات أسواق العمل، حيث يحتل الأردن المرتبة الثالثة في عدد اللاجئين والمهاجرين المقيمين من بين مجموع هذه الدول بحوالي (3.2 مليون) شخص.
وأكد تقرير بيت العمال على أن سوق العمل الأردني يعاني من صعوبات جمة في تنظيم استخدام العمالة المهاجرة، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد غير النظاميين منهم (غير الحاصلين على تصاريح عمل) يفوق كثيرا عدد النظاميين منهم، ورغم عدم توفر بيانات دقيقة في هذا الشأن، إلا أنه يتوقع أن يتراوح عدد العمال غير النظاميين ما بين (500 - 600 ألف) عامل، يتركزون في أنشطة (الزراعة، البناء والتشييد، الصناعات التحويلية، والتجارة).
مضيفا أنه في وقت أشارت فيه آخر أرقام رسمية معلنة وهي لعام 2018 أن مجموع العمالة المهاجرة الحاصلة على تصاريح عمل قد بلغت (352350) عامل، تؤكد كافة المؤشرات إلى أن مجموعها لعام 2019 سيكون أقل قليلا من (350) ألف عامل، بينما من المتوقع أن ينخفض هذا الرقم بشكل كبير في نهاية عام 2020 ليصل إلى ما يقرب من (230) ألف عامل، أي بنسبة انخفاض تبلغ (34.3%) بالمقارنة مع عام 2019، لأسباب تتعلق بالجائحة وآثارها وفترات حظر التجول التي منعت العديد من أصحاب العمل والعمال من تجديد تصاريح العمل، وكذلك مغادرة أعداد أخرى البلاد، وتعثر عدد من المؤسسات التي كانت تستخدمهم وتوقف أعمالها جزئيا أو كليا.
ولكن التقرير يستدرك بأن انخفاض نسبة العمالة المهاجرة الحاصلة على تصاريح عمل لا يعني بالضرورة انخفاضا على أعداد العمالة غير النظامية، لا بل من الممكن أن تكون قد أدت إلى زيادة أعدادها عن المعدلات السابقة نتيجة بقاء العديد من العمال في البلاد رغم توقف أعمالهم وعدم تجديد تصاريح عملهم، أو انتقالهم إلى أعمال أخرى دون استصدار تصاريح عمل. ويرى التقرير أن ارتفاع معدلات البطالة بين الأردنيين خلال الفترة (2016-2019) بمعدلات غير مسبوقة رغم السياسات والبرامج للحد منها لتصل عام 2019 إلى (19.0%)، وفي الربع الثالث /2020 إلى (23.9%)، يؤشر إلى أن محاولات إحلال العمالة الأردنية فيها لم تنجح إلا في نطاق ضيق، وأن المهن التي تعمل بها العمالة المهاجرة هي في الغالب مهن غير جاذبة للأردنيين أو لا تتناسب مع مؤهلاتهم، وأن الإحلال لا يمكن أن يتم بنجاح إلا من خلال تحسين ظروف وبيئة العمل في الأعمال التي لا يقبل الأردنيون على العمل بها، وتوفير الحماية لجميع العمال أردنيون وغير أردنيين، ومعالجة الإختلالات في السياسات التعليمية التي أدت إلى تكدس الآلاف من الخريجين في تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل.
مشيرا أنه وبحسب بيانات المؤسسة العامة للضمان الإجتماعي فإن حوالي (27.6%) من العمال المهاجرين يبلغ مجموع أجورهم الشهرية (190 دينار فما دون)، بينما النسبة الأكبر منهم والبالغة (47.84%) يتقاضون ما بين (201- 300) دينار.
وفيما يتعلق بالتشريع الأردني أشار التقرير إلى أن (المادة 3) من قانون العمل قد نصت على شمول أحكام القانون لجميع العاملين وأصحاب العمل، وأن القانون لم يتضمن أي نص صريح بالتمييز القائم على الجنسية، وهذا أمر جدير بالترحيب، وأنه قد أضيف إلى القانون في التعديلات التي أقرت العام الماضي 2019 تعريف للتمييز في الأجور القائم على الجنس، غير أن القانون ما زال لا ينص صراحة على حظر أشكال التمييز الأخرى.
وبين التقرير بأن العاملين في القطاع الزراعي أردنيون وغير أردنيين يعانون من ظروف عمل صعبة وحرمان من الحمايات في ظل استثنائهم من قانون العمل نتيجة عدم صدور النظام الخاص بعمال الزراعة الذي أوجب قانون العمل إصداره منذ عام 2008، وفي ظل عدم شمولهم بقانون الضمان الإجتماعي لنفس السبب وبسبب عمل معظمهم لدى أصحاب عمل في حيازات زراعية غير مسجلة ويعملون بالمياومة أو بأعمال موسمية، ويماثلهم في ذلك كثير من العاملين في قطاع الإنشاءات.
وأن العمالة المهاجرة وبشكل خاص غير النظامية منها تتعرض لأشكال متعددة من الإستغلال وغياب الحمايات، كالإستغلال من الوسطاء في العمل (السماسرة)، ومن عدم التزام أصحاب العمل بإصدار تصاريح العمل وتجديدها وعدم تزويدهم بنسختهم من عقد العمل، وفي حالات أخرى يتم تحميل العامل تكاليف إصدار تصريح العمل وما يترتب عليه من نفقات أخرى كالشهادة الصحية والإقامة، وقد رصدت حالات عديدة لم يتم فيها شمول العاملين بالضمان الإجتماعي أو تم فيها تحميل العامل كلفة الإشتراكات كاملة.
وأوصى تقرير بيت العمال بضرورة العمل على مجموعة من الإصلاحات في المجالات التشريعية والتنظيمية لمعالجة الإختلالات التي يعاني منها سوق العمل في مجال استخدام العمالة المهاجرة، والتي تضمن بشكل خاص شمول جميع العاملين أردنيون وغير أردنيين بكافة أحكام قانون العمل وقانون الضمان الإجتماعي، وأن تكفل التشريعات والإجراءات حق العامل المهاجر بالإنتقال من عمل إلى آخر بشكل طوعي عند انتهاء عقد العمل دون اشتراط موافقة صاحب العمل، وتشديد العقوبات في حالات استغلال العمال المهاجرين والسمسرة والعمل الجبري وكافة أشكال الإساءة للعاملين، ووضع إجراءات وآليات تسهل عليهم الإبلاغ عما يتعرضوا له من انتهاكات، وتوعيتهم وأصحاب العمل بحقوقهم والتزاماتهم القانونية.
كما أوصى بإعادة النظر في قرارات الحد الأدنى للأجور، بما يضمن مساواتهم مع العمال الأردنيين، وكذلك شمولهم ببرامج الدعم المقدمة من خلال أوامر الدفاع، وتفعيل الرقابة والتفتيش على أماكن عملهم وسكنهم، وتحسين قدرة مفتشي العمل في ذلك وفي مجال السلامة والصحة المهنية.
وشدد على أن سوق العمل يعاني من غياب سياسة واضحة فيما يتعلق بالعمالة المهاجرة، فمن جهة يتم استقدام العمالة من الخارج دون وجود ضوابط فعالة للحد من تسربها إلى الأعمال غير المصرح بالعمل فيها، ودون رؤيا واضحة حول الحجم الفعلي لحاجة سوق العمل منهم، ودون ضوابط محكمة للحد من استغلالها سواء من البلد المرسل أو في داخل المملكة، بحيث أصبحت أعداد العمالة المخالفة تفوق ضعفي العمالة المنظمة.
مضيفا بأن تعدد الجهات والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة بالتعامل مع قضايا العمالة المهاجرة وضعف التنسيق بينها، انعكس على تنظيم استخدامها وساهم في تقليل فرص التقدم في التشريعات والإجراءات الهادفة إلى تعزيز وضمان حقوق هذه الفئة من العاملين وفق معايير العمل الدولية ومعايير حقوق الإنسان، وغياب قاعدة بيانات شاملة ومؤشرات تحدد المسار المستقبلي في التعامل مع العمالة المهاجرة، وهو ما يتطلب تطوير آليات استقدام العمال المهاجرين والتنسيق الكامل بين الجهات القائمة على المنافذ الحدودية والمطارات من جهة، والجهات المشرفة على تنظيم سوق العمل من جهة أخرى.