"كانت المرأة العاملة المتضرر الأكبر من الجائحة في قطاع العمل المنظم وغير المنظم على السواء"
"تسببت الجائحة في زيادة ملحوظة على معدل البطالة بين الإناث ليصل إلى 33.6% نسبة الجامعيات منهن 77%"
"ما يقرب من 20 ألف عاملة فقدن أعمالهن خلال الجائحة"
"صعوبة الموائمة بين العمل والأعباء المنزلية ورعاية الأطفال زادت من معاناة المرأة العاملة"
"لم تنجح أنماط العمل المرنة والعمل عن بعد في مساعدة المرأة بسبب عدم توفر التنظيم القانوني لها"
"اتسمت فترة الجائحة بغياب تفعيل التشريعات والسياسات التي تراعي احتياجات عمل المرأة"
"تعديلات قانون العمل 2019 ذات العلاقة بعمل المرأة لم توضع موضع التنفيذ لغاية الآن"
"يجب تفعيل أدوات التشاور والحوار لوضع برامج خاصة لمعالجة آثار الجائحة على عمل المرأة"
"يجب الأخذ بعين الإعتبار إحتياجات المرأة بشكل عام في سياسات وبرامج التكيف والتعافي من الجائحة"
بمناسبة يوم المرأة العالمي أصدر "بيت العمال للدراسات" تقريرا بعنوان "عمل المرأة في مهب عاصفة كورونا" أشار فيه إلى أن الجائحة فرضت تحدّيات وأعباء إضافية على المرأة العاملة في ظل ظروف عمل غير صديقة لها، وأعباء عائلية تضاعفت نتيجة توقف الأعمال وفترات الحظر وإغلاق المدارس، وفي ظل أوضاع اقتصادية هشة فرضتها الجائحة، ونظرة اجتماعية سلبية حول أهمية دورها في سوق العمل وكفائتها وإنتاجيتها، فكانت المرأة المتضرر الأكبر من اغلاق المشاريع، فشملت الآثار الإقتصادية العميقة للأزمة نتيجة هذه العوامل معظم النساء العاملات في قطاع العمل المنظم وغير المنظم على السواء، مما زاد في التوتر والضغط النفسي، ودفع بكثير من النساء إلى الإنسحاب من سوق العمل، وتسبب في زيادة ملحوظة على معدل البطالة بين الإناث ليصل خلال الربع الثالث من العام الماضي 2020 إلى 33.6% بلغت نسبة الجامعيات منهن 77%، حيث يقدر عدد العاملات اللاتي فقدن أعمالهن خلال الجائحة ما يقرب من 20 ألف عاملة، وذلك بعد أن كان معدل البطالة قبل الجائحة 27%، كما بقي معدل المشاركة الإقتصادية للمرأة من أخفض المعدلات على مستوى العالم وبما لا يتجاوز 15%.
وبين التقرير بأن الآثار السلبية لجائحة الكورونا امتدت إلى مختلف القطاعات الاقتصادية، وتسببت في فقدان أكثر من 100 ألف عامل وعاملة وظائفهم، وتأثرت أجور أكثر من 400 ألف آخرين، بسبب حالة الإنكماش التي دخلها الاقتصاد الأردني، وتراجع مستويات الأجور بشكل ملموس نتيجة اختلال ميزان العرض والطلب على الوظائف، فسجلت معدلات البطالة للربع الثالث من عام 2020 ارتفاعا كبيرا وصل إلى 23.9%، (33.6% للإناث، 21.2% للذكور)، بعد أن كان معدل البطالة قبل الجائحة 19.1% في نهاية عام 2019 وهو معدل يعتبر أيضا مرتفعا جدا بصورة غير مسبوقة.
وأن أسر العاملين عانت من ضعف الموارد خاصة العاملين في الإقتصاد غير المنظم الذي تشكل النساء العاملات نسبة كبيرة منه، وزادت من معاناتهن صعوبة الموائمة بين رعاية الأطفال والعمل، في وقت لم تنجح أنماط العمل المرنة ومنها العمل عن بعد في مساعدة المرأة في تحقيق هذه الموائمة بسبب عدم وجود تنظيم قانوني متكامل لأشكال العمل المرنة وطبيعة علاقات العمل فيها والحقوق والإلتزامات المترتبة عليها نتيجة عدم صدور النظام الخاص بالعمل المرن الذي أوجب قانون العمل إصداره في التعديلات التي أجريت عليه عام 2019.
وأضاف تقرير "بيت العمال" بأن الدور الإجتماعي للمرأة في الأمومة ورعاية الأطفال والأعمال المنزلية والذي تضاعف خلال الجائحة، شكل إرهاقا وإنهاكا نفسيا وجسديا للمرأة العاملة نتيجة اضطرارها لبذل جهود مضاعفة في الوظيفة وفي خدمة الأسرة في آن واحد، وأدى إلى عدم تمكنهن من الجمع بين واجبات الوظيفة والمسؤوليات العائلية، وساهم على نطاق واسع في عدم استمرارهن في وظائفهن وانسحابهن من سوق العمل، وفي حالات أخرى تسبب في انخفاض أجورهن، وأثر سلبا على إمكانيات الإستفادة من فرص الترقي والتقدم في الوظيفة، وقد شكل كل ذلك تأثيرا سلبيا ليس فقط على المرأة العاملة نفسها بل على أسرتها خاصة مع ارتفاع نسبة الأسر الأردنية التي تعيلها إمرأة والتي تبلغ أكثر من ربع مليون أسرة، وكذلك مع ارتفاع نسبة النساء العاملات في الإقتصاد غير المنظم والتي تصل إلى أكثر من 50% من مجموع النساء العاملات.
ووصف التقرير ظروف المرأة العاملة خلال فترة الجائحة وتطبيق قانون الدفاع بأنها قد اتسمت بغياب تفعيل التشريعات والقوانين والسياسات التي تراعي احتياجات عمل المرأة، وبعدم الأخذ بعين الإعتبار التحديات الجمة التي تواجهها المرأة العاملة نتيجة الجائحة، كما اتسمت بغياب الإجراءات اللازم اتخاذها للحد من آثار الجائحة عليها على المستوى الاقتصادي والصحي والاجتماعي، إضافة إلى غياب التشاور والحوار بين الأطراف المعنية للتخفيف من الآثار السلبية المترتبة على النساء خلال الأزمة وتحديدا على العاملات منهن، كل ذلك في ظل أوامر دفاع سمحت لأصحاب العمل بالإتفاق مع العامل على تخفيض أجره وهو على رأس عمله ما بين 20 إلى 30%، وبتوقيف أي عامل عن العمل دون موافقته ودفع نصف أجوره، أو تشغيله عن بعد مقابل دفع نصف أجوره، فشهدت معظم القطاعات استغلالا واسعا لهذه الصلاحيات تجاه العاملين وبشكل خاص الإناث منهم، ومن ذلك العاملات في قطاع التعليم الخاص.
وبخصوص التعديلات التي أجريت على قانون العمل في أيار 2019، أشار التقرير إلى أنه ورغم أن هذه التعديلات قد تضمنت تقدما تشريعيا في الأحكام ذات العلاقة بعمل المرأة في مجال إنشاء حضانات أطفال العاملين، والعمل المرن، والتمييز في الأجور، وإجازة الأبوة، وإعفاء أبناء الأردنيات من تصاريح العمل، إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ بصورة فعلية، فلم تصدر التعليمات الخاصة بالحضانات إلا في شهر شباط 2021، وجاءت مخالفة للأهداف التي رسمها القانون وبما يفتح الباب واسعا أمام التهرب من إنشاء الحضانات في مواقع العمل، كما لم يصدر لغاية الآن نظام العمل المرن، ولم توضع أي قواعد خاصة بالرقابة على مدى الإلتزام بالمساواة وعدم التمييز في الأجور، ولم تصدر الأنظمة الخاصة بتنظيم عمل غير الأردنيين المقيمين في المملكة، كما لم تصدر الحكومة لغاية الآن نظام عمال الزراعة الذي أوجب القانون إصداره منذ عام 2008، الأمر الذي عرض عمال الزراعة لانتهاكات عديدة لحقوقهم وغياب الحمايات القانونية لهم وانخفاض أجورهم خاصة النساء منهم.
وشدد على أن انسحاب المرأة من سوق العمل خلال الجائحة وقبلها يعد سببا رئيسيا في تفاقم مشكلة البطالة بين النساء خلال الجائحة، حيث لعبت التقاليد الاجتماعية ونظرة بعض أفراد المجتمع إلى عمل المرأة دور كبير في زيادة حالات فقدان وظيفتها والحد من فرصها للعودة إلى سوق العمل، خاصة النظرة إلى أن عمل المرأة يجب أن ينحصر في أعمال تقليدية "مقبولة اجتماعيا"، وأن عملها مكمل من الناحية الإقتصادية لدخل الأسرة الذي يوفره عمل الزوج أو الأب، وهي نفس العوامل التي كانت دوما تنعكس سلبا على فرص العمل التي تتوفر لها من حيث الكم والنوع، وعلى فرص تقدمها الوظيفي وترقيها، إضافة إلى عدم توفر متطلبات بيئة عمل صديقة للمرأة العاملة، والكلف المترتبة على أصحاب العمل لتوفير التسهيلات اللازمة لعمل المرأة، التي تشكل أهم الصعوبات التي تواجه المرأة في العمل والإستقرار فيه، وتقف عائقا أمام التحاقها بسوق العمل، ومن ذلك مشكلة عدم توفر المواصلات اللائقة والمنتظمة، والمرافق والخدمات الخاصة بالمرأة في مواقع العمل، والحضانات لأطفال العاملات، ناهيك عن انخفاض الأجور، والفجوة في الأجور بين الذكور والإناث.
وأكد التقرير بأن انخفاض نسبة المشاركة الإقتصادية للمرأة الأردنية، يستوجب بالضرورة العمل بجد لتجسير الفجوة الجندرية في سوق العمل الأردني، بالنظر إلى حجم الخسائر الباهظة التي يتكبدها الإقتصاد الوطني جراء تعطيل هذه القوى القادرة على إحداث فارق كبير في الناتج المحلي الإجمالي، حال استطعنا بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لغايات دمج المرأة في سوق العمل وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك، في وقت ما زالت معدلات البطالة للجنسين في ارتفاع مستمر منذ عام 2016، وما زالت نسبة النساء المشتركات إلزامياً في الضمان الإجتماعي منخفضة ولا تتجاوز (29%) من إجمالي الأردنيين المشتركين إلزامياً.
وأوصى بأن يتم العمل على تفعيل التشاور الحكومي مع المنظمات الممثلة للقطاع الخاص لوضع برامج خاصة لمعالجة آثار الجائحة على عمل المرأة، وتعزيز دور الأدوات المتاحة لذلك وبشكل خاص اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وتوسيع الخيارات المهنية للمرأة، واكسابها المهارات والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، وسياسات الأمان والحماية الاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل، والاهتمام بشروط صحة وسلامة المرأة العاملة، والحماية من العنف والتحرش في عالم العمل، والمساواة بين الجنسين، وقضايا تكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وضمان آليات ميسرة لتطبيق أشكال العمل المرن، وتوفير الحماية الإجتماعية للعمل المنزلي والعمل عن بعد (الإشتراك في الضمان الإجتماعي، تراخيص العمل، تطوير قانون العمل)، إضافة إلى تطوير آليات وصول المرأة العاملة لتقديم الشكوى حول المخالفات المرتكبة لحقوقها، ومن ذلك خطوط الإتصال المجانية، والتطبيقات الإلكترونية، وتفعيل نظام التفتيش المحوسب.
كما أوصى بالأخذ بعين الإعتبار إحتياجات المرأة بشكل عام في السياسات والبرامج الحكومية للتكيف والتعافي من الجائحة، وتوسيع مظلة الحماية الإجتماعية من خلال تخفيض أو دعم إشتراك غير المشتركات في الضمان الاجتماعي وشمولهن بالتأمين الصحي، ودعم الأم العاملة التي لديها أطفال في سن المدرسة والحضانة من خلال تطوير وتطبيق مبادىء العمل اللائق ومنها سياسات العمل المرن وضمان الحمايات في الأجر والضمان الإجتماعي.