عمان– كشفت أرقام رسمية أن عدد الموظفين الذين خسروا أعمالهم في الأردن قفز إلى 191 ألف موظف خلال العام 2020 (عام كورونا) مقارنة مع 71 ألف موظف خسروا أعمالهم في العام 2018.
وتعني هذه الأرقام أن أعداد الموظفين الذين خسروا أعمالهم ارتفع بنسبة 170 % خلال العام 2020 مقارنة مع المسح الذي نفذته الحكومة في العام 2018.
وهذا المسح الذي تنفذه دائرة الإحصاءات العامة كل عامين مرة واحدة أظهر أن عدد الوظائف المستحدثة ارتفع إلى 122 ألف وظيفة في العام 2020 مقارنة مع 110 آلاف وظيفة مستحدثة في 2018.
وبناء على هذه الأرقام، فإن عدد صافي الوظائف المستحدثة في الأردن (الوظائف المستحدثة مطروحا منها الوظائف المفقودة) بلغ 69 ألف وظيفة مفقودة في 2020 مقارنة مع 39 ألف وظيفة مستحدثة في 2018.
وهذه الأرقام تتطابق تماما مع أرقام البطالة المعلنة، إذ ارتفع معدل البطالة في العام 2020 إلى 24.7 % مقارنة مع
18.7 % في العام 2018 ، علما بأن الأرقام تشير إلى أن معدل البطالة قد انخفض إلى 23.3 % في العام 2021.
وبينت الأرقام أيضا أن عدد الأردنيين الذين خسروا أعمالهم في العام 2020 بلغ 168 ألفا مقارنة مع 64 ألفا في العام 2018 بزيادة نسبتها 162 %.
وبلغ عدد الوظائف المستحدثة للأردنيين 104 آلاف فرصة في العام 2020 مقارنة مع 99 ألف فرصة في العام 2018.
وبناء عليه، فإن صافي عدد فرص العمل المستحدثة للأردنيين (الوظائف المستحدثة مطروحا منها الوظائف المفقودة) بلغ 64 ألف وظيفة مفقودة في العام 2020 مقارنة مع 35 ألف وظيفة مستحدثة في 2018.
وبحسب الأرقام فإن 89 % ممن تركوا العمل كانوا من الأردنيين، فيما توزعت النسب الباقية ضمن جنسيات مختلفة من بينها سورية وعراقية ومصرية، كما كشفت الأرقام أنّ 53 % ممن تركوا أعمالهم كانوا متزوجين.
وعن أسباب ترك العمل فإنّ 30 % ممن تركوا اعمالهم كانت لأسباب تتعلق “بظروف العمل وطبيعته”، فيما أن 11.7 % كانت لظروف اقتصادية، و7 % بسبب جائحة كورونا، و36.5 % لأسباب أخرى غير الصحية والشخصية وأسباب تتعلق بحوافز العمل والتقاعد والزواج.
هذه الأرقام تؤشر إلى أن الاقتصاد لم يكن قادرا حتى قبل جائحة كورونا من أن يولد فرص عمل تلبي الطلب المتزايد، وبعد الجائحة زادت هذه المشكلة بسبب تواضع النمو الاقتصادي والذي أدى إلى تراجع الأعمال وبالتالي تسريح أعداد من العمال.
ولولا أوامر الدفاع التي صدرت خلال فترة “كورونا” وما يزال معمولا بها، لكانت أعداد من تركوا أعمالهم أكبر بكثير بحسب خبراء اقتصاديين.
ورغم أن 2020 كان عاما “استثنائياً” بحسب بعض الخبراء، إلّا أن جميعهم يتوقعون تزايد المشكلة خلال العام الحالي والأعوام المقبلة.
وينطلق الخبراء من مبررين أساسيين في هذه المعادلة، الأوّل توقف العمل بأوامر الدفاع بمجرد زوال ظروف الجائحة، والثاني استمرار تواضع معدلات النمو الاقتصادي خصوصا أنّ الظروف الاقليمية والعالمية باتت غير مشجعة للتفاؤل بتحقيق معدلات نمو قادرة على توليد فرص عمل جديدة.
وزير تطوير القطاع العام الأسبق د.ماهر المدادحة أشار إلى أنّ ضعف استحداث فرص العمل سببه الرئيس تقلص النشاط الاقتصادي والذي كان أصلا قبل الجائحة ضعيف جداً وغير قادر على استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل.
ومع جائحة كورونا زاد هذا الوضع خصوصا وأنّ النمو الاقتصادي في هذه الفترة كان سالبا.
ويربط المدادحة ارتفاع نسبة ممن تركوا أعمالهم بسبب “ظروف العمل وطبيعته”، بعدم موائمة متطلبات العمل مع الشهادة، حيث أنّ هناك عددا كبيرا من الداخلين لسوق العمل هم خريجو جامعات وحملة شهادات عليا، فيما أن الوظيفة التي يحصل عليها تكون أقل وبالتالي ينسحب بعد أن يكون هذا العمل غير مقنع بالنسبة له نفسيا وماديا.
ويشير المدادحة إلى أنّه بالرغم من عدم اعتبار 2020 عاما يعتمد عليه في تحليل هذه الظاهرة بحكم أنها استثنائيّة بحكم جائحة كورونا التي بدأت بها، إلّا أننا لا يمكن أن نغفل بأن الوضع الاقتصادي حتى قبل الجائحة كان متواضعا وغير قادر على خلق فرص عمل ملبية.
رئيس مركز بيت العمال المحامي والباحث في القانون وفي شؤون العمل والعمال حمادة أبو نجمة أشار إلى أنّ ما يحدث في هذا المجال سببه الرئيس قصور الاقتصاد بسبب تواضع النمو عن توفير فرص عمل جديدة، إذ تقلصت قدرات مؤسسات القطاع الخاص على استيعاب العمالة الجديدة، لا بل أن بعضها سرح العمالة التي لديها.
وذكر أبو نجمة أن الجائحة خلال العام الماضي ساهمت في إضافة ما يقرب من 110 آلاف متعطل جديد عن العمل إلى معدل البطالة الذي كان مرتفعا بصورة غير مسبوقة قبل الجائحة، وزادت فيه نسبة المتعطلين الذين زادت مدة تعطلهم على 12 شهرا لتصبح 49.5 % من المتعطلين، وهو ما يمثل أكثر من 241 ألف متعطل، منهم 185 ألف متعطل لم يسبق له العمل نهائيا، وهو ما يؤشر إلى خطورة نوعية في سمات المتعطلين، في وقت ما زالت نسب البطالة بين فئة الشباب من أعمار 24 عاما فأقل هي الأعلى حيث بلغت مع نهاية 2021 (54.1 %).
وبين أبو نجمة أن أزمة كورونا كشفت النقاب عن هشاشة سوق العمل، وعن الافتقار إلى متطلبات الحماية الاجتماعية للعديد من فئات العمال، خاصة العاملين في القطاع غير المنظم الذين يمثلون 48 % من مجموع العاملين في المملكة.
وقد ظهر خلال الأزمة مدى تعرض هذه الفئة لخطر فقدان الدخل اللازم لمعيشتهم وأسرهم، في ظل المؤشرات التي تؤكد بأن هذه الفئة بدأت في التوسع خلال الجائحة على حساب القطاع المنظم نتيجة فقدان الآلاف من وظائفهم، الأمر الذي يتطلب تبني منظومة من القواعد التي تدعم بشكل أفضل الفئات الأكثر ضعفا وتحقق الحماية اللازمة لهم، سواء من حيث شمولهم بالتأمينات الاجتماعية أو بالحمايات القانونية الأخرى في تشريعات العمل بشكل خاص، ووضع سياسات فعالة تنتشلهم من ظروفهم الصعبة أسوة بغيرهم من العاملين كخطوة أولى نحو تشجيع انتقالهم من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم.
وأشار إلى أن التصدي لهذه الأزمة يستدعي أن نرقى في التعامل مع آثار الجائحة على سوق العمل إلى مستوى مواجهة الاتساع الذي طرأ في شريحة المتعطلين عن العمل في ظل الخيارات المحدودة المتاحة، وانحسار إمكانات تحقيق ارتفاع كاف في نمو الناتج المحلي.
استاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري اتفق مع سابقيه وأشار إلى أن ضعف النمو الاقتصادي كان سببا في تراجع فرص العمل، وقد كان هذا حالة عامة قبل “كورونا” ومع الجائحة زادت هذه المشكلة.
وأضاف أن فترة “كورونا” لم يوجد خلالها استثمارات جديدة أو توسع في الأعمال القائمة وهذا يعني أنّه لن يكون هناك توفير فرص عمل جديدة.
ويرى الحموري أن النمو المتوقع للاقتصاد للعامين المقبلين لا يبشر بأنه قادر على توفير فرص عمل، خصوصاً في ظل الوضع العالمي والاقليمي.