عماّن- عربي21- محمد العرسان
في الوقت الذي يواصل فيه المُتعطل عن العمل عبد الله حرب ومجموعة من الشباب الاعتصام أمام مبنى محافظة معان (200 كم جنوبي عمان) منذ ما يقارب الشهر، تجتمع 300 شخصية اقتصادية أردنية في الديوان الملكي للبحث عن حلول لمشاكل الاقتصاد وعلى رأسها البطالة.
وحملت الورشة التي أطلقها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، السبت الماضي، عنوان "الانتقال نحو المستقبل: تحرير الإمكانيات لتحديث الاقتصاد"، بمشاركة خبراء يمثلون 17 قطاعا حيويا من مكونات الاقتصاد الوطني، وتستمر لخمسة أسابيع.
لا يأمل المتعطلون في أن توفر هذه الورش فرص عمل لهم، مشككين في تطبيق أي من مخرجات هذه الورش بناء على تجارب سابقة وضعت فيها الحكومات الأردنية خططا اقتصادية في الإدراج، حملت معها وعودا بالرخاء للأردنيين، إلا أن الواقع كان مناقضا لذلك، كما قالوا لـ"عربي21".
وتسود نظرة تشاؤمية حول ثقة المستهلك الأردني، بالوضع الاقتصادي، وبحسب مؤشر ٳبسوس لثقة المستهلك الأردني فقد تراجعت الثقة بمستقبل الاقتصاد المحلي بمقدار 6.6 نقطة مئوية خلال الربع الرابع من 2021، وأظهر تراجعاً في الثقة بالأمن الوظيفي، وتراجعاً في ثقة الأردنيين في قدرتهم على الاستثمار لمستقبلهم والادخار لمستقبل أطفالهم.
التحدي الأكبر أمام هذه الورش هو نسب البطالة التي ترتفع بين الشباب الأردنيين إلى 50% حاول بعضهم حرق أنفسهم كما ظهر في مقاطع فيديو انتشرت على شبكات التواصل، ويعتصم متعطلون في مدن مأدبا والطفيلة والكرك وحي الطفايلة في العاصمة عمان.
يقول الشاب المتعطل عبدالله حرب: "تلقينا الكثير من الوعود بالتوظيف نريد حياة كريمة وعملا لائقا، سنلتقي الاثنين رئيس مجلس النواب للاستماع لمطالبنا لكننا مستمرون في مساعينا لحين الحصول على مطالبنا".
"مخرجات عابرة للحكومات"
ويتطلع الملك عبد الله الثاني كما قال خلال لقائه فعاليات اقتصادية إلى أن "ترسم مخرجات الورشة خارطة طريق تترجم إلى خطط عمل عابرة للحكومات وضرورة أن تساهم توصيات الورشة في تسريع النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، وتحسين الخدمات، وتمكين القطاعات المعنية".
موضحا أنه "لا بد من المتابعة والجدية والالتزام لتحقيق الإنجاز".
مدير مركز بيت العمال للدراسات حمادة أبو نجمة، يدعو لوضع أدوات ملزمة للحكومة لتنفيذ مخرجات هذه الروش، ويقول لـ"عربي21": "الورش خطوة جيدة، لكن المشكلة في التنفيذ، وضعنا في السابق أكثر من استراتيجية ولم نر نتائجها حتى الآن، يجب أن تكون هذه المخرجات عابرة للحكومات".
وحول الأولويات يقول: "الأثر الاقتصادي المباشر ارتفاع معدلات البطالة وازدياد الفقر، أيّ تنمية إذا لم تؤثر على معيشة الناس وكأنها لم تكن؟ يجب النظر إلى الجانب الاجتماعي ومصالح الفئات الضعيفة وتوليد فرص عمل، ويجب أن يكون تحسين الأداء الاقتصادي بهذا الاتجاه".
"نحن بحاجة إلى تغيير في السياسات التعليمية، وإيجاد برامج تدريبية، وتغيير في ثقافة المجتمع، وبيئة عمل مناسبة، النمو الاقتصادي وحده لا يكفي لخلق فرص عمل"، بحسب أبو نجمة.
"الكرة في ملعب الحكومة"
أما غرفة تجارة عمان أحد الأطراف المشاركة في الورشة، فتأمل في أن تخرج الورشة بـ"برنامج إصلاح اقتصادي وطني يتضمن دعم قطاع السياحة الذي عانى من تهميش بعد الضرر الكبير الذي أصابه نتيجة الجائحة بالرغم مما قدمه هذا القطاع للاقتصاد الوطني إلى جانب تأكيد الملك على دعم قطاع الزراعة كونه بوابة الأمن الغذائي".
وشدد رئيس الغرفة خليل الحاج توفيق لـ"عربي21"، على "أهمية مساءلة المقصرين في القطاعين العام والخاص وليس فقط في القطاع العام وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وضرورة مراجعة أسس ومعايير التعيين خاصة في الوظائف القيادية وضمان الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص".
ونقل توفيق عن الملك تأكيده أن "العمل جار على وضع آلية تكفل المتابعة الحثيثة لتنفيذ الرؤية الشاملة في كل القطاعات، وأنها ستخضع لمتابعة شخصية من جلالته ما يعتبر ضمانة يبحث عنها القطاع التجاري دائما لبث الأمل والتفاؤل بالإنجاز الحقيقي على أرض الواقع".
وقال: "الكرة الآن في ملعب الحكومة لتنفيذ ما جاء في الرسالة الملكية السامية بأسرع وقت ووضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى مع تحديد مؤشرات أداء واضحة وإطار زمني كون الاقتصاد الوطني يمر بظروف استثنائية".
الحكومة تؤكد التزامها بالمخرجات
بدوره، قال رئيس الوزراء بشر الخصاونة، خلال افتتاح الورشة إن "مخرجات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية ستبقى عابرة للحكومة برؤية ملكية، وإن الحكومة ملتزمة بمخرجات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية".
وقال الخصاونة إن مخرجات الورشة ستفضي إلى تبني رؤيا وخارطة طريق ليس لهذه الحكومة فحسب وإنما لحكومات متعاقبة لتعمل على تنفيذ هذه الرؤيا وهذه الاستراتيجية بعيدة المدى لكي نتمكن من العودة إلى تسريع وتيرة الإنتاج.
غياب رؤية اقتصاديّة واضحة
الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي، يعتبر أن "التدخل الملكي كفيل بإحداث وخلق انطباعات إيجابية كبيرة في المشهد الاقتصاديّ، تؤكد جدية الدولة في تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصاديّة".
وقال: "هناك انقطاع رسمي واضح في تنفيذ البرامج التحفيزية للاقتصاد، وهو يشكل تحديا حقيقيا لنجاح أي خطة توضع من قبل الجهات المعنية، والتجارب العملية لما يحدث يتطلب اليوم وجود ضمانة للتنفيذ، وكانت الحكومات هي التي لا تلتزم بالتنفيذ المؤسسي والمتابعة، فإن الأمر يحتاج إلى ضمانة ملكية لتعزيز قدرة الحكومات على تنفيذ التوصيات بشكل مؤسسيّ عابر لها".
وأضاف: "أكبر مشكلة يواجهها الاقتصاد الأردنيّ في السنوات الماضية هي غياب الرؤية الاقتصاديّة الواضحة لدى الحكومات التي ما إن تأتي حكومة وتنسف ما قامت به سابقتها، على اعتبار أنه غير صحيح دون نقاش أو تفسير أو قياس علمي وعملي لما تم إنجازه".
ولتحقيق النمو، يدعو نائب رئيس غرفة صناعة عمان سابقا والاقتصادي، موسى الساكت، إلى "إعادة هيكلة الاقتصاد بالكامل ومعالجة التشوه في ضريبة المبيعات والتي تُضعف القوة الشرائية للمواطن، والتي تضعف أيضاً القطاعات الإنتاجية المختلفة؛ صناعة، تجارة، سياحة، زراعة بسبب تراجع الطلب على السلع والخدمات وتخفيض جميع كلف الإنتاج على هذه القطاعات".