لا أحد يمكنه أن ينكر أن إلغاء جهاز إداري كبير مثل وزارة العمل أُنشىء منذ أكثر من نصف قرن لن يترك آثاراً سلبية على قطاع العمل والعمال والحماية الاجتماعية، والحديث في هذا يطول كثيراً، لكنني سأقصر حديثي على أثر إلغاء الوزارة على الضمان الاجتماعي، وأستطيع أن ألخّص هذا الأثر في الآتي:
١) الإخلال بالعلاقة المتوازنة ما بين أصحاب العمل والعمّال، وهي علاقة مهمة بالنسبة للضمان ولتيسير شمول العمال بمظلة التأمينات الاجتماعية، بالرغم مما يشوبها بين الحين والآخر من توتر وتجاوزات..!
٢) إن من أهم القضايا والمهام المشتركة والتي كانت ولا تزال تؤرّق مؤسسة الضمان ووزارة العمل هي قضايا السلامة والصحة المهنية وحوادث وإصابات العمل، وكان ثمّة عمل وإعداد من أجل إطلاق استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية تقوم على إنفاذها الوزارة والمؤسسة بالتعاون والشراكة مع الجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، وفي حال إلغاء وزارة العمل ستضعف كل الجهود والمساعي في هذا الاتجاه مما يعرّض حياة العمّال لمخاطر حوادث وإصابات العمل بصورة أكبر..!
٣) ولكون وزارة العمل هي إحدى أجهزة الحماية الاجتماعية، ووزيرها يرأس بحكم وظيفته مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأن مهامها ومسؤولياتها هي الأقرب لمهام ومسؤوليات مؤسسة الضمان من حيث توفير مظلة حماية للطبقة العاملة في المجتمع، فإن تغيير تبعية المؤسسة إلى وزارة الصناعة والتجارة والتموين ولوزيرها سيغيّر في المعادلة، نظراً للتباين الكبير في المهام والاهتمام والمسؤولية، ما سيترك أثراً سلبياً على مستوى متابعة مؤسسة الضمان لمسؤولياتها في مجالات الحماية الاجتماعية..
٤) بإلغاء وزارة العمل ستتأثر سياسة الأجور بشكل واضح، ولن تكون هناك سلطة متابعة فاعلة سواء للرقابة على الأجور وتحديد حدّها الأدنى والنظر في بين فترة زمنية وآخرى، أو للتجاوزات التي تحدث من قبل بعض القطاعات على أجور العمّال، وهذا بالتأكيد سينعكس على الضمان كونه يتعامل مع الأجور التي يتقاضاها العمّال المشتركون بالضمان..!
٥) بإلغاء وزارة العمل سنفقد أداة رئيسة مهمة من أدوات التشغيل ومظلة من مظلات حماية العمّال من الفصل التعسفي والظلم والافتئات على حقوقهم، وهذا بالتالي سينعكس سلباً على أعداد المؤمّن عليهم لدى الضمان وسترتفع معدلات البطالة، كما ستزداد أعداد المؤمّن عليهم الذين سيتعطّلون عن العمل ويزداد معهم الضغط على صندوق التعطل لدى الضمان، وستتأثر بالتبعية مظلة الحماية الاجتماعية التي يوفرها النظام التأميني الاجتماعي من خلال مؤسسة الضمان، الأمر الذي سينعكس سلباً أيضاً على المركز المالي للمؤسسة..!
٦) كما سيؤدي إلغاء وزارة العمل إلى إضعاف المشاركة الاقتصادية للمرأة، واختفاء إحدى أهم مظلات حمايتها وتحفيزها، وهذا بدوره سينعكس أيضاً على عدد المؤمّن عليهن بالضمان، وبالتبعية على عدد المنتفعات والمتقاعدات، ما يعرّض المرأة لمزيد من الهشاشة في مستويات الحماية الاجتماعية المنشودة.
٧) ستتعرض الأنظمة الصادرة بموجب قانون العمل للاهتزاز بعد إلغاء الوزارة، بسبب تعدد تبعيتها الإدارية والفنية، مما سيؤثر بالتأكيد على قدرة مؤسسة الضمان على إنفاذ قانون الضمان بكفاءة وشمولية ويُسر بسبب ارتباط التطبيق ببعض الأنظمة الصادرة بموجب قانون العمل وكذلك بعض التعليمات والسياسات المتّخذة من قبل وزارة العمل.
٨) سيضعف دور النقابات العمالية بصورة أكبر مما هو عليه الآن بعد إلغاء وزارة العمل، وستفقد هذه النقابات مظلتها التي تلجأ إليها كلما تعرض العمال لخطر التهديد أو الاضطهاد والظلم، وهذا بدوره سيُفقِد ممثلي الاتحاد العام لنقابات العمال الأربعة في مجلس إدارة مؤسسة الضمان بعض دورهم وتأثيرهم، وبالمقابل يعزز تأثير ونفوذ ممثلي أصحاب العمل الأربعة من غرف الصناعة والتجارة، ما يؤدي إلى إخلال في توازن المجلس وأدائه لمهامه وهو ما سيترك أثراً سلبياً على عمل المؤسسة ومهامها ومسيرتها.
٩) وبحكم أن وزارة العمل مسؤولة عن ضمان إنفاذ أي اتفاقيات جماعية أو أنظمة أو ترتيبات خاصة بمكافآت نهاية الخدمة للعمال اذا كانت هذه الاتفاقيات والأنظمة تقرر للعمال حقوقاً مالية أفضل، فإن العمال سيفقدون بعد إلغاء الوزارة الضمانة والقوة الإدارية الحكومية لضمان حصولهم على مثل هذه الحقوق، ما يؤثر بالتالي سلباً على تطبيق المادة 103 من قانون الضمان بما يُضعِف القدرة على إلزام أصحاب العمل بأن يؤدوا للعمال الفرق ما بين تلك الحقوق المالية والاشتراكات المترتبة لمؤسسة الضمان.
١٠) سيكون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي أكثر عرضة للتدخلات الحكومية عندما تُنقل رئاسة مجلس إدارة مؤسسة الضمان إلى وزير الصناعة والتجارة والتموين، من خلال اختلاط وتشابك رأس المال ومصالح أصحاب النفوذ من كبار الصناعيين والتجار،