يحتفل العالم في الثامن والعشرين من نيسان من كل عامباليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل، بهدف تعزيز ثقافة السلامة والصحة المهنية بما يساعد في التقليل من عدد الوفيات والإصابات المرتبطة بالعمل ولتركيز الإهتمام الدولي على حجم المشكلة وعلى كيفية التصدي لها، وفي هذا العامتحيي منظمة العمل الدولية هذه المناسبة تحت شعار "ضعف الصحة المهنية للعمال الشباب" لتسليط الضوء على أهمية تحسين السلامة والصحة المهنية للعمال الشباب كأحد العناصر الرئيسيةلتحقيق العمل اللائق للشباب، الذين يشكلون في الفئة العمرية (15- 24) ما يقرب من 541 مليون عامل يتعرضون لما نسبته 40% من الإصابات المهنية على مستوى العالم.
وتقدر منظمة العمل الدولية عدد الوفيات في حوادث العمل لعام 2017 بأكثر من 2.3 مليون وفاة، بمعدل يومي يبلغ (5500) وفاة، بالإضافة إلى وقوع (300) مليون حادث سنويا يتسبب في إصابات عمل، و(160) مليون شخص يصابون بأمراض مرافقة للعمل (أمراض مهنية)، كالسرطانات وأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض المنقولة المرافقة للعمل.
وتعتبر السلامة والصحة المهنية أحد أهم معايير وشروط العمل اللائق، لما لها من أثر مباشر على تحقيق المصلحة المشتركة لمختلف الأطراف عمالاوأصحاب عمل وحكومات، بتحقيق أعلى درجات الالتزام بمعايير وشروط السلامة والصحة تقديرا للإنسان العامل وحمايته كطرف فاعل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيزا لحقه في بيئة عمل صحية وآمنة تحترمها الحكومات وأصحاب الأعمال من خلال قواعد راسخة تحدد الحقوق والواجبات والمهام وتولي اهتماما خاصالمبادئ الوقاية، وهي بذلك تمثل جزءا من أهداف التنمية المستدامة التي وضعت من ضمن غاياتها توفير بيئة العمل المأمونة.
وتشير الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي للعام 2016 إلى وقوع (13345)حادث عمل في الأردن نجم عنها (213) وفاة إصابية،حيثشكل قطاع الصناعات التحويلية أعلى نسبة في حوادث العمل بلغ(3784) إصابة بنسبه 34.2% من إجمالي الإصابات، يليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة (1999) إصابة بنسبه 18.0%، ثم قطاع الإنشاءات (1501) إصابة بنسبه 13.6%.
وشكلت الإصابات الناجمة عن سقوط الأشخاص النسبة الأعلى من إصابات العمل، حيث بلغت (3699) إصابة بما نسبته 33.4% من إجمالي الإصابات، يليها سقوط الأشياء بما مجموعه (1650) إصابة بنسبة 14.9%، ثم الإصابات الناجمة عن أدوات العمل اليدوي التي بلغت (1387) إصابة بنسبة 12.5%، وشكلت حوادث الطرق التي تقع أثناء التنقل من وإلى مواقع العمل أكثر الأسباب المؤدية إلى وقوع الوفيات الإصابية خلال عام 2016 وبلغت (56) وفاة بما نسبته 65.1%، يليه سقوط الأشخاص (14) وفاة بنسبة 16.3%.
إلا أن هذه الارقام التي تشير إلى حصول ما يقرب من (39) حادث عمل كل دقيقة ووفاة إصابية كل يومين، لا تعكس الأعداد الفعلية والحقيقية لإصابات العمل في الأردن، والتي من المؤكد بأنها أكثر من ذلك بكثير لعدة أسباب، من أهمها أن العاملين في الزراعة وعمال المنازل ما زالوا غير مشمولين بالضمان الإجتماعي خاصة أن القطاع الزراعي يعتبر عالميا الأعلى في نسبة إصابات العمل، إضافة إلى الإقتصاد غير المنظم الذي تشير التقديرات إلى أن العاملين فيه يشكلون ما يقرب من 45% من مجموع العاملين في المملكة، وهم في الغالب غير مشمولين بالضمان الإجتماعي، كما أن بعض المنشآت قد تعمد إلى عدم التبليغ عن الإصابات وتفضل تغطية النفقات المترتبة عليها من خلال شركات التأمين بهدف الحفاظ على ملفها نظيفا لدى الضمان الإجتماعي.
وفي ظل النقص الواضح لدى وزارة العمل في الكوادر البشرية المتخصصة بالرقابة على مدى الإلتزام بشروط السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل فإن العديد من المنشآت تبقى خارج نطاق عمليات التفتيش التي تتولاها الوزارة لهذه الغاية ولا تحظى بالمساعدة الفنية الكافية أو بالنصح والإرشاد الذي تقدمه لأصحاب العمل والتوجيه الفني حول السبل اللازمة لتطوير أدائها في هذا الشأن وفي توفير الحمايات من الحوادث والإصابات، الأمر الذي يتطلب أولا دعم وزارة العمل بكوادر متخصصة ومؤهلة وبأعداد كافية، واعتماد الوسائل الحديثة للتفتيش وحوسبة أعماله وتفعيل وسائل التفتيش عن بعد وبأقل عدد من الزيارات الميدانية ووضع وتنفيذ القواعد الخاصة بالتفتيش الذاتي للمنشآت.
وعلى الصعيد التشريعي، وبالرغم من أن قانون العمل قد أفرد فصلا خاصا لموضوع السلامة والصحة المهنية وصدر بموجبه عدد من الأنظمة والتعليمات خاصة فيما يتعلق بالاحتياطات اللازمة لحماية المؤسسة والعاملين فيها من أخطار العمل ووسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين وغير ذلك، إلا أن التشريع الأردني لا زال بحاجة إلى نصوص أكثر شمولية وتفصيلا من النواحي الفنية تتضمن توجيهات متخصصة للوقاية من الأخطار على مستوى كل قطاع وبصورة خاصة القطاعات الأكثر تعرضا لحوادث العمل وهي الزراعة والإنشاءاتوالصناعات التحويلية المختلفة، إضافة إلى أهمية التوجه نحو المصادقة على إتفاقيات العمل الدولية الأساسية في السلامة والصحة المهنية وعلى رأسها الاتفاقية رقم 187 الخاصة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية، والإتفاقية رقم 155 الخاصة بالسلامة والصحة المهنيتين، الأمر الذي سيساهم في تطوير الأداء التشريعي والتنظيمي للأردن في هذا المجال وتحفيز الجهات والمنظمات الدولية لتقديم الدعم الفني اللازم لذلك.
وتشكل أهمية وجود استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية أهمية كبرى للدولة لتطوير أدائها وللحد بأكبر قدر ممكن من حوادث وإصابات العمل ولضمان التنسيق الكامل بين كافة الجهات المعنية بحيث تتحمل كل منها مسؤوليات القيام بالمهام والواجبات المطلوبة منها، عملا بالمعايير الدولية بهذا الخصوص والممارسات الفضلى التي أولت موضوع التخطيط الإستراتيجي والبرامج والخطط الوطنية المرتبطة بها أولوية كبرى.
وفي ظل تعدد الجهات المعنية بالسلامة والصحة المهنية، وتنوع القطاعات الإقتصادية التي تتطلب معالجات خاصة لكل منها وسياسات وبرامج متخصصة تراعي طبيعة بيئة العمل فيها والأجهزة والآليات المستخدمة وأشكال الأخطار التي قد يتعرض لها العاملين فيها للحوادث والإصابات، فما زالت جهودنا غير موحدة وما زالت الشراكة مع القطاع الخاص في أدنى مستوياتها، الأمر الذي يتطلب العمل وعلى وجه السرعة لوضع استراتيجية وطنية وإطار وطني للسلامة والصحة المهنية تشارك به كافة الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص بشكل يراعي احتياجات كافة القطاعات وفق المعايير الدولية المعتمدة والممارسات الفضلى.
فغياب التنسيق بين الجهات المعنية يظهر جليا بالنظر الى الواقع العملي، ومن الأمثلة على ذلك عدم وجود آليات واضحة للرصد وللتحقيق في حوادث وإصابات العمل بالتنسيق بين الجهات الرقابية والأمنية والصحية، كما أن دور النقابات العمالية والهيئات الممثلة لأصحاب العمل لازال قاصرا في بعديه الاقتصادي والاجتماعي، ولا نكاد نرى لها أي مشاركات سوى في بعض الأنشطة التدريبية.
وفي هذا الشأن فقد أكدت التوجيهات الملكية السامية في أكثر من مناسبة على ضرورة إيلاء سلامة العامل الإهتمام والعناية وتوفير بيئة عمل سليمة وآمنة له، كما جاء قرار مجلس الوزراء الصادر في كانون ثاني من عام 2016 متضمنا تكليف وزارة العمل والمؤسسة العامة للضمان الإجتماعي بوضع استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية لتوحيد الجهود للوصول إلى بيئة عمل آمنة وسليمة وخالية من الأخطار.
إلا أنه وللأسف لا تزال هذه الإستراتيجية التي وضعت مسودتها الأولى تراوح مكانها لغاية الآن، رغم أن من شأن إقرارها الوصول الى أعلى المعايير الدولية وتطوير الأطر التشريعية والسياسات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية، وتعزيز العمل الثلاثي والحوار الاجتماعي بين مختلف الجهات المعنية بما يضمن فعالية الإجراءات والقرارات المتخذة ومساعدة المؤسسات على تحمل قدر أكبر من المسؤولية الذاتية للقضاء على المخاطر في مكان العمل والوقاية من الأمراض والحوادث المهنية، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة السلامة والصحة المهنية والترويج لها بين مختلف فئات المجتمع بدءا من الصفوف الدراسية الأولى وانتهاءا بالعاملين وأصحاب العمل في مختلف المواقع، إضافة إلى تفعيل دور الجهات الرقابية الحكومية ممثلة بوزارة العمل وبالتنسيق مع ممثلي العمال وأصحاب العمل وتغليظ العقوبات على المخالفين، وتطوير قواعد بيانات ذات مرجعية دقيقة فيما يتعلق بحوادث واصابات العمل وما يترتب عليها من كلف وخسائر.