المحامي حماده أبو نجمة
تنص "المادة 99" من ميثاق الأمم المتحدة على أنه في حال حدوث حالة عدائية تهدد سلامة أعضاء الأمم المتحدة أو سلام العالم، فيجوز لمجلس الأمن أن يقرر وجود مسبب يتطلب اتخاذ إجراء أو قرار ما، وتقديم توصيات أو قرارات مناسبة إلى الدول الأعضاء للأمم المتحدة للقيام بما هو ضروري لحفظ السلام والأمن الدوليين وإزالة مصدر الخطر.
وهي بذلك تمنح الأمين العام سلطة لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي قضية يرى أنها قد تهدد حفظ السلام والأمن الدوليين، وهذا يعني أن الأمين العام قد وضع باستخدام هذه المادة موضوع أحداث غزة على رأس جدول إهتمامات العالم باعتبارها أحداث تهدد "سلام العالم"، وقد شدد على ذلك في رسالته إلى مجلس الأمن حين قال بأن النزاع هناك يمكن أن يعرض حفظ السلام والأمن الدوليين للخطر.
ومن المتوقع أنه يستهدف الأمين العام من استخدام هذه المادة بشكل رئيسي وعاجل إقناع مجلس الأمن بضرورة إصدار قرار بوقف إطلاق النار على الأقل لأسباب إنسانية، وما يميز هذه المادة أنها تدفع بقوة إلى فتح باب النقاش في مجلس الأمن بشأن القضية التي يطرحها الأمين العام، والضغط لاتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة وملزمة للأطراف المعنية بهدف حفظ الأمن والسلام الدوليين، وذلك من خلال تحميل أعضاء المجلس مسؤولياتهم لمنع نشوب الصراعات أو وقفها واستخدام الأدوات القانونية المتاحة لهذه الغاية التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
كما يسعى إلى إعادة تفعيل دور الأمم المتحدة ومنظماتها في الصراع بعد أن توقفت معظم عملياتها الإنسانية في القطاع وقتل عدد كبير من العاملين فيها، وتفاقمت فيها المشكلة الإنسانية التي شكلت كارثة لا يمكن له التغاضي عنها، في ظل صمت المجتمع الدولي، واستهانة الإحتلال بمؤسسات الأمم المتحدة، وانتقادها المستمر وقرار الإحتلال إلغاء إقامة منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.
لكن من الضروري الإشارة إلى أن هذه المادة تخول الأمين العام سلطة إخطار مجلس الأمن بما يهدد السلم والأمن الدوليين، لكنها لا تضمن أبدا فرض حلول معينة لوقف النزاع أو إطلاق النار، ففي حالة إسرائيل بالتحديد ونتيجة لتجارب عديدة سابقة، قد لا يعدو استخدام هذه المادة أكثر من مجرد تنبيه وتحذير لمجلس الأمن، ووضع أعضاء مجلس الأمن أمام مسؤولياتهم الأدبية والأخلاقية تجاه ما يحدث من مجازر.
حيث يعتمد مدى نجاح هذه الخطوة على قناعة مجلس الأمن بالأهمية الحتمية للتحرك الفوري لفرض وقف لإطلاق النار، من باب الحفاظ على سمعته ومكانته ومسؤولياته، في وقت يتمثل التحدي الرئيسي لذلك في رفض دولة الإحتلال الإسرائيلي المعتاد للعديد لمختلف قرارات مجلس الأمن، وعدم الإلتزام بها على مدى العقود الماضية.
فرغم أن الميثاق يسمح باتخاذ تدابير عسكرية إلزامية لوقف الحرب، بما في ذلك إصدار قرار بوقف إطلاق نار فوري يلتزم به الإحتلال، واتخاذ إجراءات عقابية بحق الدول في حال عدم التزامها تصل إلى تعليق عضويتها وامتيازاتها، وحتى إلغائها، إلا أن من المرجح أن لا يتم ذلك في حالة دولة الإحتلال الذي اعتاد أن يضرب بعرض الحائط قرارات الأمم المتحدة، في ظل الدعم الأميركي غير المشروط والاستخدام المتكرر للفيتو ضد أي مشروع قرار يدينه، وفي ذلك ما علينا إلا أن نتخيل كيف يمكن من الناحية الواقعية أن تطبق مثل هذه القواعد على دولة الإحتلال.