من الثابت بأن المشاركة الإقتصادية للمرأة الأم وعملها يمثل رافدا أساسيا للإقتصاد الوطني وتنميته إضافة إلى ما يمثله ذلك على صعيد الأسرة من اعتبار المرأة العاملة عنصرا فاعلا في تحمل الأعباء المالية للأسرة إلى جانب الزوج، لكن الواقع العملي يشير في معظم الحالات إلى أنه يترتب على الأم العاملة تحمل مسؤوليتين في نفس الوقت، كلاهما مهم بالنسبة لها، وهما القيام بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال من جهة، والإهتمام بمهامها المهنية من جهة أخرى، الأمر الذي يجعلها في حالة توتر دائم وإرهاق نتيجة سعيها لبذل جهود مضاعفة للتوفيق بين المسؤوليتين، خاصة وأنها عادة ما تكون مطالبة بأن تثبت عدم تقصيرها على مستوى المسؤوليات المنزلية مما يؤثر سلبا على عملها، لتجد نفسها في واقع صعب يعرف بصراع الأدوار، وتحت ضغط هذه المتطلبات الحياتية اليومية المتعددة، كثيرا ما تجد نفسها أمام خيار ترك العمل والتفرغ للأعباء المنزلية ورعاية الأسرة، متخلية بذلك عن دورها في الحياة العامة الذي قد يسهم مساهمة كبيرة في إثراء شخصيتها وإثبات وجودها وإبداعها.
وتشكل الأعباء العائلية سببا رئيسيا لضعف المشاركة الإقتصادية للمرأة في الأردن، فمن مجموع الإناث الأردنيات في سن العمل البالغ مليونان و295 ألف يعمل فعليا في سوق العمل فقط حوالي 229 ألف، نصفهن تقريبا يعملن في القطاع العام، وفي المقابل هناك ما يقرب من 72 ألف متعطلات عن العمل، أما الباقي من النساء في سن العمل والبالغ عددهن مليون و993 ألف تقريبا فتعتبرن غير نشيطات اقتصاديا أي أنهن حسب المعايير الإحصائية لا يعملن ولا يبحثن عن عمل، وبنسبة مئوية تبلغ 86.8% من مجموع الإناث في سن العمل، وهذه النسبة الهائلة تشكل وضعا غير طبيعي لبلد ترتفع فيه نسب التعليم بين الإناث، حيث يتضح جليا بأن حجم المسؤوليات التي تتولاها المرأة المتزوجة في رعاية الأسرة تعتبر عاملا أساسيا في انسحابها من سوق العمل خاصة في مرحلة الزواج والإنجاب، أو احجامها عن دخول سوق العمل من الأساس، حيث تشير البيانات الإحصائية إلى أن 78.6% من غير النشيطات اقتصاديا هن من فئة مدبرات المنازل، معظمهن تخلين عن فكرة البحث عن عمل لعدم توفر الظروف المناسبة لهن للتوفيق بين متطلبات العمل والواجبات والأعباء الأسرية سواء من حيث مكان العمل وكيفية أداء العمل وتوقيته أو من حيث عدم توفر بدائل تخفف عن المرأة بعضا من المسؤوليات العائلية الملقاة على كاهلها.
لقد وفرت التشريعات الأردنية العديد من الأدوات التي ستساهم فيما لو تم تفعيلها وتطبيقها بطريقة مثلى في مساندة الأم العاملة وتمكينها من أداء مهامها في العمل والمنزل والتوفيق بين مسؤولياتها العائلية والمهنية، ابتداءا من نص المادة 72 من قانون العمل التي تفرض على كل صاحب عمل يشغل عشرين عاملة فأكثر تهيئة مكان مناسب لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، وهو نص تم إهماله على مدى سنوات طويلة ولم يلق اهتماما من الحكومة وأصحاب العمل إلا ابتداءا من عام 2012، إلى الأحكام القانونية التي منحت المرأة العاملة إجازات خاصة بالأمومة وتربية الأطفال وحمتها من الفصل أثناء الحمل وإجازة الأمومة، وهي نصوص بحاجة لمتابعة ورقابة حثيثة من وزارة العمل للتأكد من الإلتزام بها وتمكين المرأة من الإستفادة منها دون أي قيود أو تبعات سلبية على استقرارها في العمل.
غير أن هناك أحكام أخرى يتطلب الأمر إضافتها إلى قانون العمل وبشكل الخاص في المواضيع التي التزم فيها الأردن من خلال مصادقته على اتفاقيات العمل الدولية الخاصة بالمساواة وعدم التمييز في العمل والتي توجب وضع نصوص قانونية صريحة تمنع التمييز في العمل بكافة أشكاله واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق المساواة في العمل خاصة بين المرأة والرجل في الحصول على فرص العمل وفي الحقوق والإمتيازات، وإلغاء أي قيود تشريعية أو ثقافية تمنعها من الوصول إلى أي فرصة عمل ترغب بها وتتناسب ومؤهلاتها، وحصولها على فرص التدريب والتأهيل المناسب والترقي الوظيفي.
كما يتطلب الأمر كذلك تفعيل آليات ميسرة لتطبيق أشكال العمل المرن التي نص عليها نظام العمل المرن الذي صدر مؤخرا وذلك بإصدار تعليمات تنفيذية مفصلة توضح جوانب العمل به ووضع نماذج للوائح الداخلية التي سيعتمدها صاحب العمل لهذه الغاية، وتحفيز أصحاب العمل وتشجيعهم على تخصيص نسب مناسبة من الوظائف لديهم للإناث بموجب عقود عمل مرنة، بما يمكن المرأة من العمل من خلال منزلها أو بساعات عمل جزئية أو العمل في أوقات دوام تتناسب مع ظروفها الأسرية ومسؤولياتها، إضافة إلى ضرورة أن تتولى الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص تنفيذ برامج ومشاريع تشغيلية خاصة بالمرأة ذات المسؤوليات العائلية في المناطق التي لا تتوفر فيها فرص عمل كافية وتوفير المخصصات المالية اللازمة لذلك.
إن موضوع مشاركة المرأة الإقتصادية والصعوبات التي تقف أمام دخول المرأة إلى سوق العمل خاصة المرأة ذات المسؤوليات العائلية يتطلب وعيا كافيا لدى كل الأطراف بأهمية دور المرأة الإقتصادي في سوق العمل وضرورة تفعيلة، وقد آن الأوان أن تتولى كل جهة بمسؤولية وطنية تامة وجادة أداء الدور المطلوب منها بهذا الخصوص، سواء كانت الجهات الرسمية المعنية أو منظمات أصحاب العمل أو النقابات العمالية والنقابات المهنية أو منظمات المجتمع المدني إضافة إلى الأسرة والمجتمع، وذلك لنخرج من إطار الشعارات إلى إطار العمل الفعلي في معالجة مشكلة ضعف معدلات المشاركة الإقتصادية للمرأة.