يعد ارتفاع نسبة المتعطلين عن العمل الماكثين في صفوف البطالة لمدة تزيد على السنة وفقا للمعايير الدولية مؤشرا خطيرا يدلل على خلل في السياسات والبرامج الإقتصادية في الدولة وعدم قدرتها على توليد فرص عمل للمواطنين واستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، كما يؤشر إلى ضعف برامج التدريب والتشغيل التي يفترض أن تستهدف مواكبة احتياجات سوق العمل من الكفاءات وتراعي سمات الباحثين عن عمل وتعمل على تطوير قدراتهم وإعادة تأهيلهم بالتعاون الوثيق والشراكة مع القطاع الخاص.
إن إرتفاع نسبة هذه الفئة من المتعطلين حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى 43.2% لعام 2016 بزيادة كبيرة عن عام 2015 بلغت 6 نقاط، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة معدل البطالة غير المسبوق في تاريخ المملكة البالغ 18.2%، ينذر أيضا بآثار سلبية على الأمن الإجتماعي نتيجة الإحباط لدى المتعطلين، كازدياد حالات الإنحراف والجريمة والأمراض الإجتماعية الأخرى.
فالفجوة الكبيرة بين احتياجات سوق العمل وتخصصات الداخلين الجدد إليه خاصة من مخرجات التعليم العالي ستستمر بالتوسع في ظل انحسار فرص العمل التي يخلقها سوق العمل واستمرار النهج التعليمي السائد على مستوى الجامعات والإستمرار في اعتماد تخصصات لا يحتاجها سوق العمل نهائيا، إضافة إلى الغياب الكامل للتنسيق مع القطاع الخاص لرصد احتياجاته الحقيقية من التخصصات ومن البرامج التي تنسجم مع المتطلبات الفنية لأعماله، وفي ظل غياب استراتيجيات وطنية شاملة تجمع بين السياسات والبرامج التعليمية من جهة وسياسات وبرامج التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني من جهة أخرى، هذه السياسات والبرامج التي ناقضت بعضها في كثير من الأحيان بسبب غاب التنسيق بين المؤسسات المعنية بها على مدى العقود الماضية،
من الضروري العمل في هذه المرحلة على الأقل وبصورة عاجلة على وضع خطة طوارئ يشارك فيها القطاعين العام والخاص تتضمن بشكل خاص تنفيذ برامج (تدريب وتشغيل في مواقع العمل) جادة وعاجلة وممولة بسخاء لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المتعطلين بتدريبهم وإعادة تأهيلهم وتوجيههم مهنيا وإدماجهم في سوق العمل، وفي نفس الوقت إعادة تفعيل العمل بالإستراتيجية الوطنية للتشغيل التي كان من المفترض أن يستمر العمل بها إلى عام 2021 ومن ثم تقييم نتائجها بهدف تحديثها وإعدادها لمرحلة تالية.
كما لا بد من العمل على جعل قضية التشغيل قضية مركزية في سياساتنا الإقتصادية والإستثمارية والتعليمية، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة تستهدف تحدي البطالة بإيجاد اقتصاد يحقق نموا فاعلا يتم توجيهه لتوليد فرص عمل ذات نوعية مناسبة للأردنيين، ومخرجات تعليم وتدريب بالتنسيق مع القطاع الخاص توفر قوى عاملة ماهرة ومؤهلة في تخصصات تتناسب مع احتياجات سوق العمل، وتشريعات وسياسات تحقق الحماية الاجتماعية لكافة العمال في القطاعين المنظم وغير المنظم.
وعلى مستوى السياسات الناظمة لسوق العمل والعمالة الوافد، فالأحرى أن يتم إتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية التي تنظم سوق العمل وتحد من تسرب العمالة الوافدة المخالفة في سوق العمل، كبديل للتركيز على إجراءات الملاحقة الميدانية للعمالة الوافدة قدر الإمكان، وتطبيق نظام وطني لتتبع العمالة الوافدة عبر المعابر الحدودية وفي سوق العمل ترتبط به جميع المؤسسات ذات العلاقة، وبناء قاعدة بيانات خاصة بالعمالة الوافدة تشارك بها جميع الجهات المعنية توفر أرقام دقيقة وموحدة للعمالة الوافدة، وتفعيل وتطوير نظام تحديد نسب العمالة الوافدة بالتنسيق مع ممثلي القطاع الخاص في جميع القطاعات، وشمول العمالة الوافدة بالحد الأدنى للأجور بما يضمن عدم تفضيل أصحاب العمل العمالة الوافدة على العمالة الأردنية لتدني أجورها، إضافة إلى تعزيز قدرات الجهات الرقابية في تتبع العمالة الوافدة، وتغليظ العقوبات على المخالفين.