التوسع في شمول شرائح أوسع بمظلة التأمينات الصحي أيا كان نوعها شيء مهم، وهذا يتسق مع احتياجات المواطنين الذين يفتقد غالبيتهم إلى تأمين صحي حقيقي يغطي متطلبات الرعاية الصحية اللازمة لهم، إلا أن هذا التعديل يدفع إلى طرح التساؤل حول ما إذا كان سيشكل أحد البدائل للتأمين الصحي الشامل الذي وعدت به الحكومات على مدى السنوات الماضية دون أن تحققه، خاصة في ظل تردد الحكومات في التعامل مع هذا الملف وتلميحات من مسؤولين ومختصين حول الكلف العالية التي سيكبدها التأمين الشامل للخزينة، وضغوطات من أصحاب المصلحة في بقاء الوضع القائم حاليا على ما هو عليه.
فمن الواضح أن هذه التعديلات تنطوي على دعوة شريحة واسعة من المواطنين المشمولين بالتأمين الصحي لموظفي الحكومة (التأمين الصحي المدني) إلى شمول أفراد من أسرهم كان نظام التأمين الصحي المدني لا يشملهم على اعتبار أنهم يتمتعون "من الناحية القانونية على الأقل" باستقلالية مالية عن المشترك ولا يعتبرون ممن يستحقون رعايته.
ربما يكون الهدف من التعديل تخفيف الضغط على الحكومة من المطالبين بالعدالة الإجتماعية بتوفير تأمين صحي للجميع، كونه يستهدف شمول شريحة لا بأس بها من المواطنين المحرومين من التأمين الصحي، إلا أن هذه النتيجة غير مضمونة نظرا للكلفة العالية التي يحملها هذا التعديل للمشترك، في ظل محدودية دخول العاملين في القطاع العام، الأمر الذي قد يدفع العديد منهم إلى عدم التجاوب مع الأحكام الجديدة.
وقد تساهم هذه التعديلات في تقليص الفجوة بين فئات المجتمع من مشمولين وغير مشمولين بأي من أشكال التأمينات الصحية، ولكنه في نفس الوقت لن يحقق العدالة المرجوة في ظل وجود فئات واسعة ما زالت غير مشمولة بأي تأمين ومنهم معظم فئات العاملين في مؤسسات القطاع الخاص في غير المؤسسات الكبرى، والعاملون في القطاع الزراعي والعاملون لحسابهم الخاص وعمال المياومة، والمتقاعدين من الضمان الإجتماعي، وكذلك أيضا فئات غير العاملين، وهؤلاء جميعهم لا يشملهم اي تأمين صحي.
كما لن تسد هذه التعديلات الفجوة في في ظل اضطرار الفئات الضعيفة التي لا تشملها مثل هذه التأمينات إلى طرق أبواب أخرى للحصول على رعاية صحية بالحد الأدنى وبكلف أقل رغم تعقيدات إجراءاتها كبرنامج التأمين الصحي للأسر الفقيرة الذي يهدف الى تأمين الأسر الفقيرة صحيا عن طريق اعداد دراسة اجتماعية في مديريات التنمية الاجتماعية، أو إلى استجداء دعم محدود من منظمات إنسانية وجمعيات، ورغم ذلك فلا نبالغ إذا قلنا بأن هناك فئات واسعة من المواطنين لا تستطيع حتى الوصول إلى هذه الخيارات والإستفادة منها، وتبقى دون أي رعاية صحية، ومنها من تنهشه الأمراض بصمت، وفي أحسن الأحوال يستنفذ كافة مدخراته ويحمل نفسه وأسرته من الديون لتوفير بعضا من العلاج الذي يحتاجه.
لا بديل عن التأمين الصحي الشامل مهما بلغت كلفته، تأمين تكون قاعدة شموله جميع فئات المجتمع وبشكل خاص الفئات المحرومة التي لا تنتمي لمنظومة تأمينات القطاع العام ولا الخاص، يوحد اسعار الخدمات العلاجية ولا يلغي عمل صناديق التأمين القائمة، فقد أثبتت الدراسات أن بالإمكان تحقيق ذلك دون كلف اضافية على الخزينة، مقارنة مع الكلف التي تتكبدها نتيجة تشتت أنظمة التأمين والمساعدات وعدم انتظامها وعدم خضوعها لحوكمة حقيقية وسوء الادارة والهدر نتيجة الإنفاق غير المبرمج، فالتأمين الشامل واجب على الدولة وفق كل المعايير وسيطبق عاجلا ام آجلا فهو ليس خيارا، ولكن تطبيقه اليوم افضل من تأجيله، ويجب أن يمثل اولوية وأن لا يقف موضوع الكلفة سدا أمام اهمية تحقيقه.
ويمثل البعد الاجتماعي للتأمين الصحي أحد أهم أعمدة رعاية الدولة لمواطنيها وهي من وظائفها الاساسية، فالمرض يمكن ان يفاجىء اي شخص دون استئذان او مقدمات والتكاليف التي ستترتب على معالجة المرض قد تفوق قدرة اي انسان حتى لو كان من اصحاب الدخل العالي، والفرد وحده لا يستطيع التعامل مع هذه الاشكالية اقتصاديا، من هنا تبرز اهمية وجود مظلة تأمين اجتماعي من خلال مشاركة اجتماعية تجاه مخاطر الأمراض.
بيت العمال