تُشير الأغلبية الساحقة من الأبحاث إلى أن وقت الإجازة يؤثِّر إيجابيا على الصحة العقلية، إذ توصَّلت دراسة أُجريت عام 2018، استنادا إلى عينة كبيرة من 3380 عاملا وعاملة تتراوح أعمارهم بين 45-52 عاما، إلى أن مقابل كل عشرة أيام إجازة مدفوعة الأجر انخفض اكتئاب النساء في المتوسط بنسبة 29%، وظهرت النتائج الأبرز على النساء الحاضنات، فقد شهدت هؤلاء النساء انخفاضا في نِسَب الاكتئاب وصل إلى 38% لكل 10 أيام إضافية للإجازات مدفوعة الأجر.
وتوصَّلتْ دراسة أخرى نُشرت عام 2018، أجريتْ على عينة أصغر مكوَّنة من 40 مديرا من الرجال والنساء، إلى نتائج مُماثلة، فأظهرتْ النتائج أن "إجازة واحدة قصيرة المدى وبعيدة عن أجواء العمل" لها تأثيرات كبيرة وإيجابية وفورية للتغلُّب على شعور الإجهاد، والتوتر، والشعور بالتعافي، وتحقيق السلامة النفسية، واكتشفت الدراسة أيضا أن التأثيرات الإيجابية يمكنها أن تستمر لمدة 30 إلى 45 يوما بعد الإجازة.
بجانب الفوائد التي تغمرنا بها الإجازة لتحسين الصحة العقلية، توجد أيضا العديد من الأبحاث التي تُشير إلى أن العطلات مفيدة لصحتنا الجسدية أيضا، لكن تعتمد هذه الفوائد على ما ستفعله أثناء العطلة (مثل الذهاب في جولة مشي، أو أخذ إجازة للعب الغولف).
قد يؤدي استغلال عطلتك بهذا الشكل إلى إنقاص الوزن، وجني فوائد تعود على القلب والأوعية الدموية، وتُشير الأبحاث أيضا إلى العواقب الوخيمة التي ستواجهها إن قرَّرت التخلي عن الإجازة، أو الاكتفاء بإجازات قصيرة فقط.
في عام 2017، وجدتْ دراسة طولية نرويجية (الدراسة الطولية: إحدى الإستراتيجيات البحثية التي تتسم بالملاحظات المتكررة للموضوع نفسه، ويمكن أن تستمر الدراسة لسنوات) أُجريتْ على 2741 فردا أن فترات الإجازة الأقصر ارتبطت بمؤشر كتلة جسم أعلى "BMI" (قيمة رياضية تُستخدم لتقدير معدل الوزن)، وارتبطت أيضا بمستويات أعلى من استهلاك القهوة، وتدهور صحة الفرد، والأسوأ من ذلك هو ارتباط فترات الإجازة السنوية الأقصر بمستويات أعلى للوفيات، والأغرب أن الدراسة اكتشفت أن أخذ إجازات أقصر خلال منتصف العمر يؤدي إلى تدهور الصحة العامة في سن الشيخوخة.
في سياق متصل، نجد أيضا دليلا على أن الإجازات المنتظمة يمكن أن تُقلِّل من مخاطر الحوادث أثناء العمل في بعض المهن (مثل قيادة سيارات الأجرة).
أدرجتْ منظمة الصحة العالمية (WHO) مؤخرا "الإنهاك وفقدان الأعصاب" ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11)، ورغم عدم تصنيفه حالة طبية، فإنه مُعترَف به الآن بوصفه "ظاهرة مُتعلِّقة بالعمل". تُوضِّح منظمة الصحة العالمية أن الإنهاك هو متلازمة ناتجة عن ضغوطات مُزمنة أثناء العمل لم يستطع الموظفون إدارتها بنجاح.
ربطتْ منظمة الصحة العالمية الإنهاك (فقدان الأعصاب) بثلاثة أبعاد: أولها، الشعور باستنفاد الطاقة أو الإرهاق الشديد، وثانيها، تشتت الذهن والهيام بعيدا العمل، وأخيرا، شعور المرء بالسلبية أو السخرية إزاء وظيفته، بجانب التقليل من كفاءته المهنية، ويبدو أن الإجازات تؤدي أيضا دورا رئيسيا في منع وقوعنا فريسة للإرهاق أو فقدان الأعصاب في مكان العمل.
وجدت إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2019 واعتمدت على آراء 1115 طبيب أورام أن انخفاض أيام الإجازة تسبَّب في ارتفاع معدلات الإرهاق وانخفاض الرضا في نفوس الناس تجاه وظائفهم، كما توصَّلت دراسة حديثة أخرى، ركَّزت أيضا على الأطباء، إلى نتيجة مماثلة، فقد وجد الباحثون "أن الحصول على عطلات هو أمر بالغ الأهمية، لأنه يُعيد شحن طاقة الفرد ليصبح أكثر إنتاجية عند عودته إلى العمل".
لكن ينوّه القائمون على التجربة "بضرورة الانفصال عن العمل أثناء الإجازة"، وهذا يعني عدم الرد على البريد الإلكتروني الخاص بالعمل، أو تلقي أي مكالمات هاتفية من المرضى، أو الاطلاع على جداول المكتب وسجلات المرضى.
وهذا يقودنا إلى نقطتنا الأخيرة، فإذا كنت تريد أن يُحقِّق فريقك المكافآت الكاملة للذهاب في إجازة، فلا بد من تشجيعهم على أخذ إجازات تُمكِّنهم من الانفصال عن العالم والاسترخاء بالفعل، لكن ثمة نقطة قد تسهو عنها أحيانا، وهي أن فوائد الإجازات تتضاءل حينما نحاول القيام بالكثير من الأشياء في وقت قصير جدا. بعبارة أخرى، ربما تتمكَّن من القيام بجولة في ثمانية بلدان خلال سبعة أيام، لكنَّك لن تتلقَّى على الأرجح أفضل نتائج على صحتك العقلية والبدنية خلال هذه الجولة.
بيت العمال