تقوم فكرة أنظمة الضمان الإجتماعي على توفير مجموعة من التأمينات للعاملين بمختلف فئاتهم، كإصابات العمل والشيخوخة والعجز والوفاة والأمومة والبطالة والصحة، غير أن ما شهدناه مؤخرا من ممارسات على المستوى الوطني تعبر عن غياب واضح للرؤيا في التعامل مع أهداف الضمان الإجتماعي وتأميناته وغايات صناديقه، شكلت اختلالات حادت عن الدور الحقيقي له بصورة تمس بقدرات صناديقة على الوفاء بالتزاماتها وبحقوق المشتركين.
ففي صندوق التعطل سمح تعديل قانون الضمان الإجتماعي الذي تم العام الماضي للمشترك بالسحب من مدخرات الصندوق لغايات التعليم والصحة، وهو أمر مغاير تماما لأهداف الصندوق والحكمة من وجوده، وأدى إلى سحب ما يقرب من 200 مليون دينار منه حتى بداية هذا العام، مما أضعف قدرته على التعامل مع الأزمة الحالية التي ينتظر أن يشكل فيها هذا الصندوق صمام الأمان للحفاظ على استقرار سوق العمل وديمومة عمل مؤسسات القطاع الخاص، وضمان الدخل الكافي للعمال المتضررين.
وفي صندوق الأمومة أضاف أمر الدفاع رقم (1) تدخلا آخر سمح بصرف نصف إيرادات إشتراكات الصندوق لتقديم دعم نقدي وعيني لكبار السن والمرضى، وهي فئات ليست من أشخاص قانون الضمان الإجتماعي والمقصودين بأحكامه، ودعمهم ليس من مهام صناديقه بل هو من مهام صناديق ومؤسسات أخرى مختصة بذلك، يضاف إلى ذلك ما كان قد نص عليه تعديل 2019 بتخصيص نسبة من إيرادات الصندوق لصالح دعم برامج مرتبطة بالأمومة.
وفي تأمين الشيخوخة، منح أمر الدفاع رقم (1) منشآت القطاع الخاص صلاحية استثناء العاملين لديها من هذا التأمين لمدة ثلاثة أشهر، بعد أن سمحت تعديلات 2019 باستثناء مشابه أعفى بعض المنشآت من شمول العاملين لديها من هذا التأمين لمدة تصل إلى خمس سنوات، وهو أمر أدى إلى حرمان فئة كبيرة من العاملين من هذا التأمين والإنتقاص من مستحقاتهم التقاعدية.
وعلى الرغم من أن فئة العاملين في القطاع غير المنظم والتي تشكل 48% من مجموع العاملين في المملكة هي من أهم فئات العمال التي يتوجب شمولها بالضمان الإجتماعي (ومنهم من يسمون بعمال المياومة)، نظرا لافتقاد معظمهم لأبسط الحمايات القانونية والإستقرار الوظيفي، وتعرضهم لظروف عمل صعبة وللعديد من الأخطار على سلامتهم وصحتهم، إلا أنهم رغم ذلك ما زالوا خارج هذه الحماية، ورغم أن أمر الدفاع رقم (6) قد أكد على سعي الحكومة لتقديم الدعم اللازم لعمال المياومة شريطة اشتراكهم بالضمان الاجتماعي، إلا أنها قد تراجعت عن ذلك فيما بعد، وخلا أمر الدفاع رقم (9) الخاص ببرامج الضمان الإجتماعي من أي آلية لشمولهم وتقديم الدعم لهم، واستبدلت الحكومة ذلك بدعم يشمل منهم فقط من يعيل أسرة وبمبلغ محدود (70 إلى 136 دينار) وهو يقل كثيرا عن الحد الأدنى للأجور وعن حد الفقر، وبذلك فقدنا فرصة ذهبية لشمول هذه الفئة بالضمان كخطوة هامة نحو انتقالهم إلى القطاع المنظم.
إن النظرة إلى أموال الضمان الإجتماعي بأنها مجرد مخزون احتياطي لمعالجة الإختلالات الإقتصادية التي قد تواجهها الدولة في أي وقت، هو ما يفسر سلسلة التعديلات القانونية والقرارات المتتالية التي تمس بالأهداف والغايات التي وجدت أنظمة الضمان الإجتماعي لتحقيقها، وهو أمر سوف يشكل خطرا ليس فقط على مدخرات الضمان، بل أيضا على الأمن والسلم الإجتماعيين والتوازن بين فئات المجتمع نتيجة افتقاد الفئات الضعيفة من العاملين للحمايات، فأموال الضمان الإجتماعي هي مدخرات للعمال ولا يجوز أن تكون عرضة للمغامرة، ويجب أن يكون التصرف فيها واستثمارها محدود بأهدافها وبمصالح مشتركيها باعتبارها حقوقا خالصة لهم مكرسة لتحقيق هذه الأهداف.