حماده أبو نجمة *
في ظل غياب المعلومة الواضحة حول المركز المالي لأنظمة الضمان الإجتماعي في وضعها الحالي وفي التزاماتها المستقبلية من الصعب الحديث حول ما إذا كان تقرير البنك الدولي "الذي رجح أن يواجه برنامج الرواتب التقاعدية لمؤسسة الضمان الاجتماعي عجزًا بعد عشر 10 سنوات من الآن" قد أصاب في تحليل الأخطار المتوقعة لقدرات صناديقه على الصمود والوفاء بالتزاماتها للسنوات القادمة، غير أن من المهم أخذ ما جاء في هذا التقرير بجدية أكبر كونه صادر عن جهة دولية لها وزنها في هذا الشأن وتمتلك الخبرة الكافية لتقييم واقع أنظمة التأمينات الإجتماعية في مختلف الدول.
ومن المؤكد أن المشكلة في الأردن تكمن في أن النظام المعتمد لا تتوفر فيه شروط الضمان الإجتماعي الشامل لمختلف فئات المجتمع، بل هو عبارة نظام للتأمينات الإجتماعية التي تقتصر على تغطية الفئات الفعالة اقتصاديا دون غيرها من الفئات، وهو نظام تأميني يعتمد في تمويل صناديقه على اشتراكات الفئات المشمولة به فيما يسمى بالإحتياطي التراكمي، الذي يتطلب من جانب توفير استقلال تام في إدارته، ومن جانب آخر بيئة مستقرة لاستثمار الإحتياطات المتراكمة، وضمان حقوق العمال المستقبلية. فالتوجه العالمي السائد حاليا هو نحو التمويل قصير المدى الذي لا يعتمد على الإشتراكات ولا يقتصر على تغطية فئات محدودة، ويشمل جميع المواطنين من لحظة الولادة وحتى الوفاة، ويمول من الضرائب المباشرة وغير المباشرة ومنها ضريبة القيمة المضافة التي وجدت أصلا لتمويل نظم الحماية الإجتماعية وليس لتمويل ميزانية الدولة، وبذلك تتوفر الموارد الكافية لها من خلال تقدير الإيرادات الضريبة اللازم تحصيلها بما يغطي النفقات سنويا دون الحاجة لاحتياطات أو استثمارات.
فالضمان الإجتماعي الأردني بحاجة إلى نظرة كلية شاملة تستهدف الوصول إلى نظام تمويل قصير المدى بدلا من نظام الإحتياطي التراكمي المعتمد حاليا، فهناك فرق كبير بين التأمينات الإجتماعية والضمان الإجتماعي، فالتأمينات الإجتماعية هي التي تشمل العاملين لدى الغير من خلال اشتراكات يؤديها طرفي العمل، أما الضمان الإجتماعي فهو خليط من أنظمة تأمين العاملين ومن أنظمة المساعدات الإجتماعية للفئات الأخرى المحتاجة (الخدمات الصحية، الخدمات الإجتماعية، أمن الدخل...) والحقيقة المؤكدة في هذا الشأن أن عدم وضوح الرؤية لدى صانع القرار في التفريق بين النظامين قد أدى إلى تدخلات غير مدروسة من خارج منظومة الضمان الإجتماعي دون حسابات مستقبلية تقدر الآثار والأخطار التي ستنجم عن ذلك، في وقت كانت المعالجات التي تتم لأوضاع صناديق التأمينات معالجات آنية لا تستقرئ المستقبل وقد يكون لها آثار مستقبلية غير مأمونة.
نحن بحاجة إلى شفافية مطلقة في التعامل مع أنظمة الضمان الإجتماعي (التأمينات الإجتماعية)، وتغيير منهجية إدارتها وشؤون استثمار أموالها، ووضع القواعد اللازمة لوقف التدخل فيها من أي جهة خارج إطار أطرافها من مشتركين ومستفيدين، والوقف الفوري لمنهجية التعامل مع أموال الضمان الإجتماعي وكأنها ملاذ الحكومات للخروج من مآزقها المالية. ولهذه الغاية يجب العمل بالسرعة الممكنة على دراسة تقرير البنك الدولي من جهة مستقلة صاحبة خبرة ومعتمدة عالميا، تبين بصورة شفافة المركز المالي للنظام في وضعه الحالي والتزاماته المستقبلية، وتقدم توصياتها حول أفضل السبل في إدارة تأميناته وأمواله واستقلالية قراره.